الثلاثاء، 6 أبريل 2010

العمل عبادة..أم استعباد

قديما قالوا أن العمل عبادة..أى أن الانسان الذى يعمل انما يحقق الغاية العليا التى انزل الله البشر الى الأرض من أجلها وهى أعمار الأرض وعبادة الله..فمن يعمل يعبد الله بشكل ما. لكن هذا كان صحيحا فى الماضى أما اليوم فالعمل تحول من "عبادة " الى "استعباد"..فالانسان اليوم فى بلدنا يعمل كما العبد مقابل اجر زهيد..يفنى وقته وجهده وصحته..تمر به الأيام والسنين ولا جديد يفعله فقط الذهاب للعمل والعودة من العمل ..وبعد أن كنا نعمل لنعيش أصبحنا نعيش لنعمل.
ودعونا نعطى مثالا حيا..رجل متزوج وفى الثلاثينيات من العمر.. يعمل من العاشرة صباحا الى العاشرة ليلا..ويهدر فى أحسن الظروف ساعة اضافية فى المواصلات..ولا ينام الا 9 ساعات فقط يوميا فما الذى يتبقى له من جملة ال 24 ساعة ...ساعتان فقط هم كل ما يملك، وعليه أن يفعل كل ما يفعله فى حياته -غير العمل طبعا - خلال هاتين الساعتين..أى أنه عليه أن يتواصل مع زوجته جسديا وروحيا + ويرعى أبنائه الصغار كى يشعروا أن لهم أبا على قيد الحياة + وأن يأكل+ وأن يمارس هواياته + وأن يصل رحمه ويزور أقاربه + وأن يقابل أصدقائه + وأن يؤدى فروضه الدينية وأن يتقرب الى الله بالنوافل + وأن يروح عن نفسه باللهو الحلال كمشاهدة التلفزيون أو مشاهدة البرامج والمسلسلات أو مباريات كرة القدم + وأن يتابع ما يحدث فى العالم من أخبار حتى لا يصبح بعد بضع سنوات أميا لا يعرف ما يجرى من حوله....كل هذا فى ساعتين فقط يوميا.ولا أريد أن اصف لكم كيف يكون الحال لو أنه مضطرا أن يقوم بمشوار ضرورى كأن يجدد رخصة سيارته أو بطاقة رقمه القومى..أو غير ذلك من الاجراءات التى تستهلك فى أحسن الظروف اسبوعا بالتمام والكمال بسبب عدم تعاون الموظفين مع المواطن فى استكمال اوراقه.
أما لو كنت تتسائل عن يوم الأجازة فهو موجود والحمد لله..لكن من يعمل 12 ساعة يوميا ستة أيام فى الاسبوع ..يصبح كل ما يفكر فيه فى يوم الأجازة هو النوم العميق والاسترخاء فى السرير..حتى أولئك الذين يؤجلون ما يرغبون فى فعله الى يوم الأجازة يكتشفون أن ما أجلوه كان كثير جدا لدرجة أنهم يصابون بالأحباط ليقينهم من أن يوم الاجازة لن يكفى على أى حال، وينتهى بهم الأمر بعدم فعل أى مما كانوا يخططون لفعله طوال الاسبوع.
والنيجة الحتمية لما سبق هو أن الانسان يشعر أن عمره يسرق منه وهو واقف مكتوف الأيدى لا يملك من أمر نفسه شىء..فلو ترك عمله: جاع..ولو بقى كما هو: عمره ضاع..لذا يشعر بحالة من الاستعباد وأنه ولد ليعمل لغيره وأن حياته وسيلة لسعادة الأخر الذى يعمل أقل ..أو ربما لا يعمل بالمرة.
الغريب أن هناك من لا يزال يسأل لماذا يقتل الأباء زوجاتهم وابنائهم فجأة..أنه رد فعل طبيعى لحياة طويلة من العبودية والأذلال..وقديما قالوا " الضغط يولد الانفجار"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق