الأحد، 27 يونيو 2010

صحافة هذه الأيام

تملأنى حالة من الغضب والغيظ حين يقول أحد أمامى أن ما نقرأه هذه الأيام هى صحافة..والحقيقة غير ذلك ؛ فالصحافة الحقة تكاد تكون قد انقرضت فى مصر، وحل محلها صحافة أو كنافة ، سمها ما شئت..فأنا من واقع تجربة التحاقى بالعمل الصحفى فى مصر ..ومن واقع ما أقرأه يوميا فى مختلف الجرائد ..أرى أن الصحافة الحقة تتجه لمصيرها المحتوم وأن الوضع سيزداد سوءا خاصة وأن من يعملون بالصحافة لايزالون يدافعون عما يحدث وينكرون وجود انهيار شامل فى كل عناصر العمل الصحفى ويكتفون بالقاء اللوم على القلة القليلة المندسة والتى لا تعبر طبعا عن السواد الأعظم من صحف مصر.. وهو ما ينقلنا الى التأكيد على أن صحافة مصر بخير وستظل بخير ..حتى ينتهى بنا هذا الهراء الى أنه لايوجد أزمة من الأساس وأن كله تمام يا همام.
لكننا لو أمعنا النظر سندرك حجم الكارثة.. فالعمل الصحفى فى مصر هو المجال الوحيد الذى لا يوجد به وسيلة متاحة لممارسته..بمعنى أن حتى من يتخرجون من جامعات تدرس صحافة واعلام لا يضمنون - ولا حتى يعرفون - كيف يدخلون الى الوسط الصحفى . فقد كانت الصحافة فى المرحلة الاولى من تاريخها تأخذ الموهوبين من كل تخصص للعمل بها ، ثم فى الحقبة الناصرية أصبح الالتحاق بالصحافة بخطاب التعيين من القوى العاملة، ثم بعد ذلك بات دخول الصحافة بالواسطة وبالتعيين تحت التمرين حتى تثبت كفاءتك. أما اليوم فقد تكون موهوبا ومعك واسطة وتنتظر فقط فرصة حقيقية فلا تجد شيئا.فالصحافيين اصبحوا يهبطون على الجرائد من أعلى لا من أسفل واصبح أى شاب راغب فى العمل الصحفى مفروض  عليه أن يعمل بلا أى وثيقة تثبت علاقته بالجريدة ، وبلا راتب ثابت ، وبلا عضوية طبعا فى نقابة الصحفيين، فهذا لا يحصل عليه الا الصحفى الحقيقى أى الصحفى المعين فى جريدة..واليوم الصحف اصبحت لا تعين أحدا..واصبحنا نسمع كل يوم عن مجموعة من الصحافيين الغير معينين وهم يصرخون مطالبين بتعينهم ومنحم عضوية النقابة لانهم يعملون كصحفيين دون هوية لمدة 10 سنوات أو أكثر..وبعضهم يعين والبعض الاخر يأخذ بومبه. وفى نفس الوقت تجد رئيس مجلس ادارة أحدى المؤسسات الصحفية يعين الساعى الخاص به صحفيا أو السكرتيرة الخاصة بمكتبه صحفية..ولا حول ولا قوة الا بالله.
ولعل هذا التهريج فى تعيين شباب الصحفيين يظهر أثره السيىء فى طرق عمل الصحافة اليوم ..فقد أصبحنا فى زمن صحافة الفبركة والتدليس ، وأصبح من يأتى بمعلومة صحيحة صاحب انفراد  صحفى كبير.. وأصبح تعمد الكذب والفبركة مدرسة ولها اساتذة وتلاميذ ؛ فالصحفى يجلس على مكتبه يفبرك تصريحا عن فلان فيقول مثلا :" حسن شحاتة يعرب عن سعادته لشفاء بركات من الاصابة" وذلك فى الوقت الذى لم يقابل هذا الصحفى حسن شحاتة ولم يتحدث معه ولو مرة فى حياته. وهنا يصبح حسن شحاتة - الضحية - أمام اختيارين:  اما ان يقرأ الخبر المزيف ويصمت وينجو الصحفى المفبركاتى بفعلته ، أو أن يخرج ليعلن أنه لم يدلى بهذا التصريح ،ووقتها يكون قد أعطى هذا المفبركاتى فرصة ذهبية لكى يعيد ويزيد فى نفس الموضوع ويكتب فيه لمدة اسبوع او اسبوعين ، حيث يضع الصحفى المفبركاتى عنوانا اخر يقول : " حسن شحاتة : أنا لم اقل اننى سعيد بشفاء بركات من الاصابة" ثم يذهب الى بركات ويقول له هل رأيت ما قاله الكابتن حسن شحاتة وما هو ردك..وبذلك يأخذ تصريح اخر من بركات ..وهكذا  يشغل الناس بقصة مختلقة .هذه هى مدرسة الفبركة الصحفية اليوم
أن ما يحدث فى الصحافة اليوم كارثة ..فالصراع المحموم على الاخبار والانفرادات الصحفية، وعدم تعيين الصحفيين ، والرواتب الهزيلة بعد التعيين قد افرز لنا نموذج "صحفى الشنطة "الذى لا يشعر بانتماء لا الى جريدته ولا الى نقابته ولا حتى الى مهنته..أنه ينتمى فقط الى مصلحته المادية..يتكسب من أى طريق صحفى.. شريف او غير شريف لا يهم .. ,واصبحت الصحافة تعنى أى كلام يملأ صفحات الجريدة بغض النظر ان كان صادقا او كاذبا أى  كما قال الكاتب البريطانى هنرى فيلدينج :
A newspaper consists of just the same number of words, whether there be any news in it or not.