الخميس، 29 أكتوبر 2009

حقيقة النقاب والأحتجاب فى الاسلام



قامت الدنيا ولم تقعد فى مصر فى الأيام الماضية على أثر قرار كل من شيخ الأزهر ووزير التعليم العالى بمنع الطالبات المنتقبات من لبس النقاب فى قاعات الدرس الخالية من الرجال وفى حجرات المدن الجامعية وفى قاعات الأمتحانات وان يكشفن وجوههن عندما يطلب
منهن ذلك بغرض التأكد من شخصيتهن
وقد اتسعت دائرة الجدل البيزنطى بعد صدور تلك القرارات حول مدى مشروعية النقاب وحكمه وهل هو فريضة كما تقول الوهابية أم أنه سنة أوعادة قديمة فقط..لهذا سنحاول هنا بايجاز أن نوضح حقائق هامة حول مسألة النقاب والتى ترتبط بدورها بمسألة الأحتجاب بوجه عام..وساستشهد بأقوال العلماء كى يتمطن الكل الى الرأى الذى سأعرضه
فى حقيقة الأمر ان مشكلة النقاب أنما حدثت وتحدث بسبب أن التيار والفكر الوهابى يرفض التسليم بقاعدة فقهية معروفة وهى " لا ينكر المختلف فيه وانما ينكر المتفق عليه" أى أن الحكم الشرعى الذى اتفق عليه جميع الفقهاء يكن أن يتم الأعتراض على من يخالفه ،أما الحكم الذى اختلف عليه بين العلماء لا يمكن ان ينكر المسلم على السلم فيه لأنه لا أفضلية فى رأى فقهى على أخر ولا لفقيه عالم على أخر
والنقاب مسألة خلافية: فالفقاء الثلاثة يقولون أن وجه المرأة ليس بعورة لا يجب سترها أما الأمام أحمد فله فى ذلك رأيين الأول من هذين الرأيين يوافق باقى الأئمة والرأى الثانى يرى جسد المرأة كله عورةوهو الرأى الذى أخذت به الوهابية وأصرت على تحريم كشف الوجه وحثت أتباعها على الأنكار على المخالفين لرأيها ضاربة بالقاعدة الفقهية السالفة عرض الحائط
والحقيقة ان الرأى الراجح عند جمهور العلماء أنما هو جواز كشف المرأة وجهها لأنه ليس بعورة وانما حرم المتأخرين من الفقهاء كشف الوجه خوفا من الفتنة وليس انه عورة..بالأضافة الى أن عددا كبيرا من الأحاديث الصحيحة تشير الى نفس الأمر فالأصل هو كشف المرأة وجهها وغض الرجال أبصارهم عنها..ولو ان جميع النساء تنقبن ما كان الأمر بغض البصر له معنى
وأنظروا التى هذا الحيث الذى ورد فى البخارى وكيف تصرف فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم):- عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: " نعم " وذلك في حجة الوداع. اهـ.


فالرسول لم يطلب منها أن تستر وجهها وانما حول وجه الفضل بن العباس رضى الله عنه عنها. وقد يقول البعض أنها كشفت وجهها فى الحج فقط وأنها تستره فى غير الحج والرد على هذا أنها لو أرادت أن تستره لفعلت مثل السيدة عائشة التى كانت فى الحج تستر وجهها أمام الرجال فاذا مروا كشفته "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه"..لكن المرأة الخثعمية المذكورة فى الحديث لم تفعل ذلك لأنها تعرف الفرق  بينها وبين نساء الرسول. كذلك فقد ورد حديث مشهور فى سنن أبى داود (وأن كان البعض يضعفه)حول ما يجب :(24):أن يظهر من المرأة


عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه
ومن الشواهد التى تقوى هذا الحديث حديث أخر تظهر فيه أمرأة كاشفة وجهها أمام الرسول والرجال فى المجلس:عن جابر بن عبد الله قال "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يارسول الله؟، قال: "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير"، قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن"، ا هـ. هذا لفظ مسلم في صحيحه.

 وبالطبع هذه الأدلة وغيرها لها أدلة تقابلها ممن يقولون بوجوب ارتداء المرأة للنقاب.. غير أن المشكلة أن هؤلاء يرفضون قبول فكرة الأختلاف ويصرون على الطعن فى ايمان واخلاص وعمل المرأة المسلمة التى تكشف وجهها..بل ويحاولون أن يوهموا الناس أن المرأة فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت منعزلة عن الرجل وهذا قطعا غير صحيح فمن العديد من الأحاديث يمكننا أن ندرك أن المرأة لم تكن محتجبة عن الرجال فى هذا الزمن وأنما كانت تخالطهم والأدلة على ذلك كثيرة فبالاضافة للأحاديث سابقة الذكر والتى وضح منها أجتماع الرجال والنساء فى مجلس واحد هناك حديث اخر يؤكد نفس الحالة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ ، فَقُلْنَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَضُمُّ أَوْ يَضِيفُ " ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَا ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُنَا لِلصِّبْيَانِ ، فَقَالَ : هِيِّئِي طَعَامَكِ ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ، وَنُوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا الْعَشَاءَ ، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا ، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصِلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهُ كَأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لَقَدْ ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعْلِكُمَا
فالمرأة فى ذلك الزمن كانت تواكل الضيف أى تجلس مع زوجها لتأكل مع الضيف ..وقد يقول هوات التضعيف ان الحديث السابق ضعيف( وأن كان لا ينفى وجود هذه العادة الأجتماعية) فهناك رواية أخرى حدثت فى زمن عمر بن الخطاب وقت خلافته مع زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب :روى الطبري أنه (جاء رسول من الأقاليم ليقابل عمرَ فدعاه إلى الغداء في بيته فدخل فنادى زوجته "يا أم كلثوم .. غداءنا" فأخرجت إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق قال: يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا؟ قالت : إني أسمع عندك حس رجل ولا أراه من أهل البلد . قال : نعم، قالت: لو أردت أن أخرج إلى الضيف لكسوتني كما كسا الزبير امرأته وكما كسا طلحة امرأته، فقال لها: أما يكفيك أن يقال: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر؟ قالت ما يغنيني ذلك شيئا . فقال للضيف: كل فلو كانت راضية لأطعمتنا أطيب من هذا) تاريخ الطبري ج 5ص 2716.

ومعنى هذا ان المرأة لم تكن محتجبة عن الرجال ولا كانت جميع النساء منتقبات كما يهوى الوهابيون أن يصوروا لكم عصر الرسول صلى الله عليه وسلم..والصحيح أن المرأة كانت تشارك الرجل فى كل شىء..وأن صحابة رسول الله كانوا وكن يعرفون الفرق بين "الأختلاط" المباح  وبين" الخلوة"  المحرمة..وأنا انصح الكل بقرأة الكتاب العظيم للدكتور/أحمد شوقى الفنجرى حول موضوع الأختلاط لنعرف كيف كانت المرأة المسلمة تشارك الرجل المسلم فى كل المواقف بداية من المنزل ورعاية الأسرة وحتى الحرب والضرب وحمل السيف..وتذكروا أن الفكر الوهابى المعادى لكل صور التحضر لو طبق لما استطاعت امرأة أن تكون قاضية أو محامية أومذيعة..وكأن الوهابية تسعى لتأكيد نفس ما تسعى اليه التيارات الغربية المناهضة للأسلام وهو الزعم بأن الاسلام دين يحصر دور المرأة فى البيت وأن المرأة فى ظل الاسلام فى مرتبة أقل من الرجل .ولا أجد ما أختم به حديثى هذا بغير فتوى دار الأفتاء المصرية والتى جائتنى ردا على سؤالى لتالى
السؤال:




ذكر لي غير واحد أن النقاب هو الزي الاسلامى الشرعى مؤكدين كلامهم بأية من سورة الأحزاب فما مدى صحة هذا الكلام؟ ملحوظة:أرجو الحاق الفتوى بالادلة الشرعية من الكتاب والسنة الشريفة وجزاكم الله خيرا.

الأجابة
اتفق العلماء أن الزي الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة يلزم أن تتوفر فيه ثلاثة شروط:
الأول: أن لا يصف مفاتن الجسد.

الثاني: ألا يشف عما تحته .

الثالث: أن يكون ساترًا .

ثم بعد ذلك اختلفوا فيما الذي يجب ستره من جسد المرأة، وما الذي يجوز كشفه، فرأى بعض متأخري الشافعية والحنابلة وجوب ستر جميع بدن المرأة بما في ذلك وجهها وكفيها -وهو المنقول عن أبي بكر بن عبد الرحمن التابعي- وفرقوا بين عورة النظر وعورة الصلاة.

قال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في كشاف القناع : "( وهما ) أي : الكفان ( والوجه ) من الحرة البالغة ( عورة خارجها ) أي : الصلاة ( باعتبار النظر , كبقية بدنها )" اهـ، ونحوه في حاشية العلامة البجيرمي علي الخطيب

وذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو مذهب الأوزاعي وأبو ثور من مجتهدي السلف، وقول في مذهب أحمد إلى أن عورة المرأة المسلمة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، فيجوز لها كشفهما.

قال الإمام الميرغناني الحنفي في الهداية: "وبدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها" اهـ.

وقال الشيخ الدردير في الشرح الكبير من كتب المالكية: "(و) هي –أي العورة- من حرة( مع ) رجل (أجنبي) مسلم ( غير الوجه والكفين ) من جميع جسدها" اهـ.

وجاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: " ( وعورة الحرة في الصلاة وعند الأجنبي ) ولو خارجها ( جميع بدنها إلا الوجه , والكفين )" اهـ.

وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: "الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة . وعليه الأصحاب .. وفي الكفين روايتان" اهـ.

واستدل الجمهور على دعواه بأدلة كثيرة ، منها:

- قوله تعالى: )ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها( [النور: 31]، قال ابن عباس: وجهها وكفيها

- ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"، ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما

- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها -وجاء في بعض الروايات: "وكانت امرأة حسناء"- وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم" . ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه الصلاة والسلام على كشفه بحضرة الناس , ولأمرها أن تسبل عليه من فوق , ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء.

- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه".

- ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة .

فبان مما سبق قوة مذهب الجمهور وظهور أدلته ، وأن تغطية وجه المرأة من المسائل التي اختلفت فيها أنظار العلماء، وأنه فضيلة لا فريضة، فمن غطته كانت مأجورة ومن كشفته لم تكن مأزورة، وأنه لا إنكار على من سترته أو من كشفته، والله تعالى أعلم.