الخميس، 3 ديسمبر 2009

الجنيه المصرى ...والمستقبل المظلم


علمت بالصدفة على خلفية أحداث مباراة مصر والجزائر التى اقيمت فى السودان الشقيق أن الجنيه السودانى يساوى الأن أربعة جنيهات مصرية. وقد زهلت عن معرفتى بتلك المعلومة..فالجنيه السودانى من سنوات قليلة ماضية كان يضرب به المثل فى انخفاض القيمة الشرائية للعملة..حتى أننا كنا نتندر قائلين ان السودانى يشترى الجريدة بعشرة الاف جنيه ..وأنه يستأجر سيارة نصف نقل لكى يحمل عليها مرتبه الشهرى والذى سيتجاوز المليون جنيه سودانى قطعا ..فاذا بالجنيه المصرى ينخفض الى مادون الجنيه السودانى( او ربما هو الجنيه السودانى الذى ارتفع لا اعلم بالضبط ) الا ان النتيجة واحدة وهو أن الجنيه المصرى يلفظ انفاسه الأخيرة.

اتذكر تاريخه العريق ويأخذنى الحزن والأسى..فقد كان المسكين فى بدايات القرن العشرين يساوى جنيه من الذهب + قرشين صاغ..أى أن الجنيه المصرى كان أزيد من الجنيه الذهب بقرشين صاغ..وقبل الثورة بسنوات قليلة و تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية كان الجنيه المصرى يساوى سبعة جنيهات انجليزية..وبعد الثورة انخفض عن هذا المقدار قليلا ..فقد ذكر الأستاذ "احسان عبد القدوس "أنه فى لندن عام 1955 قد غير الجنيه المصرى بخمس جنيهات استرلينية كاملة..أما اليوم فالجنيه الذهب يساوى أكثر من 800 جنيه مصرى..والجنيه الأسترلينى يساوى اكثر من عشرة جنيهات مصرية..فما الذى حدث؟!!
المشكلة أن الجنيه المصرى المسكين يعانى من أعراض نقدية غير مفهومة بالنسبة لزمرة الأشاوس من المسؤلين عن الاقتصاد فى مصر وعلى رأسهم الدكتور "يوسف بطرس غالى"..فالدولار الأمريكى انخفضت قيمته امام كل عملات الأرض عدا الجنيه المصرى الذى "حرن" وحلف بالطلاق انه لن يرتفع امام الدولار وهذا طبعا لأن الجنيه أبن اصل ..والعين لا تعلو على الحاجب..وان العملات الأخرى لم ترأف لحال الدولار والذى هو فى نظر الجنيه المصرى "عزيز قوم ذل".

لهذا نجد الجنيه المصرى تنخفض قيمته بحماس شديد بينما لا ترتفع قيمته الا بطلوع الروح ..وهو ما أثر على مستوى المعيشة فى مصر ..وبدلا من ان نطمع فى السفر للعمل بدول الخليج أصبحت السودان أقرب وفرق اربعة جنيه موش شوية..المشكلة الحقيقية هى أن السادة الخبراء بحكومتنا لا يعترفون بوجود أزمة فيما يخص الجنيه..فما ان تسألهم حتى يأتيك الجواب الشافى ..انخفاض الجنيه شىء طبيعى فى مثل هذه الظروف ( والتى تتغير كل عام لكنها أبدا لا تزول ) كما ان تلك الظروف لا تحدث الا لنا أما باقى الدول فلا أثر لتلك الظروف عليهم

ولعل الشىء المضحك فى الموضوع ..أن انخفاض القيمة الشرائية للجنيه ومشتقاته( النصف والربع والعشرة قروش..الخ) قد جعل تكلفة صك العملة أو طباعتها أكثر كلفة من ثمنها مما اضطر حكومتنا الى تخفيض حجم العملات جميعا الورقية منها والمعدنية حتى بات الجنيه فى حجم الربع جنيه ..اما الربع فقد اصبح فى حجم البريزة..والتى اصبحت فى حجم الخمسة قروش..اما هذه المسكينة فقد أصبحت رؤيتها بالعين المجردة مسألة صعبة للغاية.

أن ما أخشاه أن يواصل الجنيه المصرى (الذى كان جبس فى يوم من الايام) الانخفاض حتى يلقى مصير المأسوف على شبابه " الأفغانى الافغانستانى" والذى لاقى حدفه اثر ازمة قلبية أمام النور السرمدى للدولار الامريكى..وانا لله وانا اليه راجعون.