الأحد، 25 ديسمبر 2011

أيهما أهم : الإنسان أم الكتاب ؟!

أصبتنى حالة من الدهشة والصدمة بعد حريق المجمع العلمى المصرى.. ليس لأنه احترق.. فهذه مأساة كبيرة بالطبع.. لكن المأساة الحقيقية حين نسمع من يقول أن الكتب القديمة أهم من روح الانسان التى كانت تزهق أمام المجمع.. ليس إنسان واحد بل كثير ( 17 قتيل حصيلة الأحداث) . ونسى هؤلاء - فى ظل صدمتهم - أن من ألف هذه الكتب فى المقام الأول هم بشر .. تماما مثل هؤلاء الذين ماتوا.
ألا يعلم المتباكين على تراث المجمع العلمى أننا لو فقدنا إحساسنا بجريمة قتل انسان فسنفقد قريبا جدا إحساسنا بأهمية أى تراث ثقافى.. أنا أفهم أن يفضل إنسان أن يضحى بحياته لحماية هذا الثراث النادر.. لكن ليس من حق أحد أن يفضل انقاذ مجموعة من الأوراق القديمة على حساب حياة الآخرين.
ثم ما أدرانا أنه ليس من بين هؤلاء الذين ماتوا - صغارا وكبارا - من سيكون فكره وأعماله من تراث البشرية. ألا يعلم هؤلاء أن جميع المشاهير الذين قدموا اسهامات عظيمة للثراث الانسانى كانوا  فى مرحلة من مراحل حياتهم أشخاصا عاديين لا تستطيع أن تميزهم عن غيرهم .. " أديسون" صاحب المخترعات كان بائع جرائد عادى.. " جان بول سارتر" الفيلسوف الفرنسى الكبير كان جنديا بسيطا فى الحرب العالمية الثانية ، عبد الناصر كان مجرد طالبا من طلاب الثانوى الذين فتحت عليهم الحكومة المصرية كوبرى عباس عام 1935. ماذا لو أننا قتلناهم قبل أن يقدموا ما قدموه للبشرية.. 
أيهما أهم : الكتاب الذى يمكن نسخه وتصويره ونشره على الانترنت أو بأى وسيلة أخرى تجعله يبقى الى الأبد ، أم الانسان الذى إذا مات لم يبق منه إلا ذكريات فى قلوب معارفه فإن ماتوا  لم يبق منه شىء.
لماذا نريد أن نحول الثقافة والعلم إلى آثار وأطلال.. هل المهم هو محتوى كتاب " وصف مصر ".. أم الورق الأصفر القديم الذى يحوى هذا المحتوى .. ألا تعلمون أن حضارة العرب لم تسقط  بعد كارثة تدمير مكتبة بغداد وظهر لنا من بعدها رجال عظام كابن حجر العسقلانى و ابن خلدون و ابن رشد ..الخ..ولكنها سقطت بعد أن مات هؤلاء وأمثالهم وانتشر الجهل رغم كل ما تحويه مكتباتنا من تراث قديم.
الانسان أهم من الكتاب يا سادة.. الانسان هو الذى يُعلِم ويتعلم.. هو الذى ينهض بالأمة ، وما الكتاب إلا وسيلة مساعدة.. فكيف نقدم الفرع على الأصل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :  إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء". فهل حزن المتباكين على الدكتور محمود حافظ رئيس المجمع حين مات كما حزنوا على المجمع نفسه .

الأحد، 13 نوفمبر 2011

العلمانية وجهلنا الأزلى

إن الجدل الذى فجره الكلام عن العلمانية والدولة المدنية قد أظهر كم الجهل وعدم الفهم الذى يستشرى بيننا.. بل أظهر طبيعة عقليتنا اللامنطقية والتى هى نتاج طبيعى لمستوى التعليم المتردى فى بلادنا.. فلا أحد يفكر بعقله ولا أحد يعرف كيف يميز الكلام المتزن و المتناسق مع العقل من الكلام الرنان والأجوف فى الوقت نفسه.
فلو أننا القينا نظرة على موضوع العلمانية والدولة المدنية لوجدنا أن الغالبية من المعارضين لها باستماتة هم الإسلاميون.. بينما الغالبية من المناصرين لها باستماتة أيضا هم المسيحيون. وهو الأمر الذى يثبت لنا أنه لا هؤلاء ولاهؤلاء يفهمون العلمانية ومعنى الدولة المدنية ولا حتى يفهمون طبيعة الدين الذى يعتنقونه. فالموقف المنطقى والطبيعى هو أن يعارض المسيحيون الدولة المدنية باستماتة بينما تكون معارضة الاسلاميين لها مجرد ملاحظات شكلية ، ذلك أن الاسلام بطبعه دين علمانى النزعة، فهو يجعل مقاليد الأمور فى تطبيق الأحكام والقوانين والقرارات فى يد " ولى الأمر" الذى هو اليوم " الدولة " بكافة مؤسساتها ؛ فهو الذى يزوج ويطلق ، يحارب ويهادن ، ويورث ويقضى فى المنازعات ، ويحمى البلاد من العدوان الخارجى ويطبق أحكام الشرع ويحافظ على حقوق المواطنين كافة .. الخ. ولا ينازعه فى هذه السلطة أى مؤسسة أو جهة أخرى دينية كانت أو مدنية.
هذا فى الاسلام.. بينما الوضع مختلف فى المسيحية .. فهناك المؤسسة الدينية  ( الكنيسة ) التى تنازع الدولة السلطة . لهذا جاءات العلمانية بدولتها المدنية فى الغرب كى تحجم الكنيسة وتجعل  السلطة كلها فى يد الدولة المدنية وأن يصبح رجال الإكليروس ( الكنسيين) مثلهم مثل غيرهم أمام القانون. لهذا فبابا روما مثلا لا سلطة له اليوم على أحد بعد أن كان هو الآمر الناهى فى أوروبا طوال حقبة القرون الوسطى.
السؤال الآن : هل يريد المسيحيون ذلك ؟
هل يدركون أن الدولة المدنية ستلغى سلطات البابا.. وأنه لن يكون هناك زواجا كنسيا وآخر مدنيا ، وأن الكنيسة سيقتصر عملها على الإجراءات الروحية فقط . وسيصبح ما تعترف به الدولة هو الصحيح  بغض النظر عن موقف الكنيسة منه. وهو ما سيجعل أى نزاع بين الدولة والكنيسة محسوما لصالح الدولة من قبل أن يبدأ .
فهل المسيحى المؤمن بالكنيسة على استعداد أن يطيع الدولة لو اختلفت مع الكنيسة؟

أما بالنسبة للإسلاميين.. فهل يعلمون أن مهمة العلمانية تتلخص فى منح السلطة المطلقة للدولة كى تسير شؤون الناس.. وأن هذه السلطة مستمدة من الشعب.. الذى ينعكس سلوكه ومعتقداته على الدولة نفسها.. أى أن الشعب المؤمن سينتج قوانين تتماشى وعقيدته ( أو بمعنى أدق عقيدة الأغلبية )  وبالتالى سنصبح أمام دولة تحترم أحكام الشرع.. وأذا كان الشعب كافر فسينتج بالمثل قوانين لا تكترث بالدين وسنصبح أمام دولة لا تضع الشريعة ضمن إهتماماتها .. أى  كما قال الفيلسوف الانجليزى " هنرى جونز" : ( المواطن هو الدولة ولكن فى صورة أصغر ، والدولة هى المواطن ولكن فى صورة أكبر .. ولا يوجد دولة جيدة إلا فى وجود مواطنين جيدين ولا مواطنين جيدين الا مع وجود دولة جيدة) . وفى كلا الحالتين - حالة الدولة المؤمنة أو حالة الدولة غير المؤمنة - تعتبر الدولة علمانية ، أى أنها دولة تعبر عن شعبها إن كان خيرا فخيرا وإن كان شرا فشرا.. ولا تنتظروا من العلمانية أن تساعدكم أن تصبحوا مؤمنين لو أنكم لا تريدون ذلك ، كما لا تعتقدوا أنها ستمنعكم أن تكونوا مؤمنين لو أردتم ذلك.. هى تترك الأمر للناس كما فعل ربنا من قبل إذ قال فى كتابه الكريم بنص عام غير مشروط بزمان أو مكان :
 ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ).
 هذا هو الواقع .. العلمانية والدولة المدنية أقرب للاسلام وأحكامه منها الى المسيحية.. فهل . يفهم أحد ذلك.. أم أننا نردد كالبغبغاوات ما يقوله لنا الإعلام دون دراسة ولا قراءاة ولا فهم .

السبت، 30 يوليو 2011

العلمانية والإسلام

يعتقد البعض - بل الكثيرون فى الحقيقة - أن العلمانية هى الخطر الأكبر الذى يتهدد الإسلام.. وهى الفكرة التى تنتشر انتشارا واسعا فى مجتمعنا ، وقد ظهر ذلك بوضوح بعد الثورة حيث أصبح التعبير عن الرأى غير محظور ولا محرم. ولو أنك أجريت استفتاء على هيئة سؤال واحد :  من هو العدو الأكبر للإسلام ؟ فستكون الإجابة بنسبة كبيرة هى العلمانية  . والسؤال الآن : هل حقا العلمانية عدو الإسلام؟ 
الحقيقة أنه لا يوجد دين هو أقرب للفكر العلمانى من الإسلام.. بل إن بعض المفكرين الكبار يرون الإسلام كدين علمانى بكل معنى الكلمة مثل الأستاذ عباس محمود العقاد والدكتور محمد عمارة ( قبل اسلمته). والسبب فى وجود  هذا الرأى يعود إلى أن المحاور الثلاثة المشكلة للفكر العلمانى موجودة أصلا فى الإسلام ؛ فمن يعرفون العلمانية تدور تعريفاتهم حول ثلاثة محاور :
  1. فصل الدين عن الدولة
  2. إعلاء السلطة الزمنية ( الدنيوية) على السلطة الدينية
  3. عدم تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرات دينية
ولو أننا تمعنا النظر لأدركنا أن كل تلك المبادىء موجودة بالإسلام.. فالدين مفصول عن الدولة، بمعنى أن الحاكم فى الدولة المسلمة لا يحكم باسم الله كما كان الحال فى أوروبا المسيحية ، وقد ظهرت هذه الفكرة مع تنصيب الخليفة الأول للرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق.. فالرجل لم يحصل على البيعة بالتوافق بل اختارته الأغلبية فقط ( كان هناك أقلية رافضة منهم سيدنا سعد بن عبادة زعيم الأنصار الذى ترك سقيفة بنى ساعدة غاضبا دون مبايعة ).. وقد أصل هذه الفكرة أبو بكر نفسه حينما أراد أحد المسلمين أن يناديه بقوله " خليفة الله" فقال : لا إنما أنا خليفة رسول الله. أى أنه يرفع عن نفسه صفة القداسة والعلو عن باقى المسلمين. كما أنه أصل لفكرة مراقبة الحاكم أيضا  من قبل الشعب لا من قبل الله للتأكيد على أرادة الشعب وأنه صاحب السيادة " إن أحسنت فأعينونى .. وإن أسأت فقومونى .. فقال له رجل ملوحا بسيفه : لقومناك بسيوفنا " وفى هذا تعبير عن مبدأ الثورة على الحاكم الطاغية أذا ظلم واستبد . فاذا كان الحاكم مختارا من الشعب.. ويراقبه الشعب.. ويعزله الشعب اذا ما طغى.. فهذا ما نسميه الحكم المدنى وهو عكس الحكم الدينى وهو فى الوقت نفسه التطبيق السياسى للفكر العلمانى.
أما مبدأ إعلاء السلطة الزمنية على السلطة الدينية فهو ما تم تطبيقه طوال عصور الحكم الإسلامى.. فولى الأمر له دائما الأختصاص الأعلى ولا سلطة لعلماء الدين على الحاكم ولا يملكون له إلا النصيحة وأن يشوروا عليه أن طلب مشورتهم . والسبب فى ذلك يرجع الى أن الإسلام لم يعرف فكرة سيطرة الكنيسة على الحاكم .. فحين يقول الملك للناس أن الله هو الذى إختاره وهو الذى يحاسبه وهو الذى يخلعه فيصبح مصير الحاكم وشرعيته مرتبطا ومعلقا بيد الله والتى كان المعبر عنها على الأرض الكنيسة.. لهذا تصبح سلطة الكنيسة ( الممثلة لله) هى الأعلى فى الدولة . ولأن الحاكم فى الإسلام - على عكس ذلك - ينتخب من الشعب ويراقب من الشعب ويخلع من الشعب فلا سلطة دينية عليه ولهذا فهو السلطة الأعلى فى الدولة.. وقد شهد الحكم الإسلامى العديد من المواقف التى تدل على اتساع صلاحيات الحاكم فى الدولة المسلمة ، حتى أن ولى الأمر له أن يعطل بعض الأحكام الشرعية لو وجد أنها ستؤدى الى عكس ما أراد المشرع منها مثلما فعل عمربتعطيله لحد السرقة فى عام الرمادة ( لأنه كان سيقطع أيدى الجياع لا اللصوص ) أو تضمين الأمام على بن أبى طالب فى خلافته للصناع(*)  وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الثلاثة لا يضمنونهم  وعندما سألوه فى ذلك قال قولته الشهيرة : لا يصلح الناس إلا هذا . فإعلاء السلطة الزمنية على السلطة الدينية لا يعنى نبذ الدين أو اهماله وإنما عدم وجود تفسيرات بشرية بعينها  للنصوص الشرعية ملزمة لولى الأمر وعدم وجود سلطة أعلى لأحد من الناس على الحاكم .وإنما الأصح أن كل علماء الدين هثلهم مثل باقى المسلمين يسمعون ويطيعون لولى الأمر ولا ينازعونه فى الحكم إلا لو ظلم وبدل ويكونون فى ذلك مثلهم مثل باقى العامة من المسلمين. بقول آخر : إن النموذج الأيرانى لوصاية رجل الدين على الحاكم المسلم لا علاقة له بالإسلام.
أما المبدأ الأخير للعلمانية وهو عدم تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرات دينية فيعنى الإلتزام بوضع تفسيرات تتوافق والقوانين التى وضعها الله للعالم.. فلا نقيس على الشاذ أو الاستثنائى.. فلا يقبل أن يفسر طبيب شرعى مثلا موت إنسان بقوله " إن قضاء الله نفذ".. أو " أن أجله جاء" وإنما يجب أن يشرح بشكل علمى أسباب الوفاة بقوله مثلا " هبوط حاد فى الدورة الدموية تسبب فى توقف عضلة القلب". والسبب فى اتباع هذا الفكر أن الله لا ينتمى إلى عالم الطبيعة.. فعالم الطبيعة هو عالم الملموس والمحسوس والقابل للإختبار فى المعمل أو غيره .. أما الله فهو فوق كل ذلك .. فحين يقبل العلماء بالقاعدة العلمية الشهيرة " المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم " فهم لا ينكرون النشأة الأولى.. وإنما يقرون بقاعدة بسيطة مفادها أن الإنسان لا يقدر على خلق المادة من العدم .. ففعل الخلق فعل إلهى خارج عن قوانين هذا العالم التى هى قوانين الطبيعة.. ونحن ندرس العالم لا ندرس الله عز وجل .. ولأن هذا الفكر من صميم الإسلام فقد فهمه المسلمون الأوائل وصاروا عليه بلا مشكلة وانتجوا للبشرية أعظم الانتاج الفكرى والعلمى دون حرج أو خوف ، كما أن هذا الفكر قد منع ظهور التفسيرات الغيبية واالخزعبلات والدجل المنتشرة بيننا اليوم تحت مسميات إسلامية كالعلاج بالقرآن ،  أو عمل الأحجبة و جلسات الذكر ..الخ.
هذه هى علمانية الإسلام.. فاذا كان الأمر على ذلك من توافق بين العلمانية والإسلام.. فلماذا هذا الصدام بين الأثنين؟
الحقيقة أن السبب فى ذلك يعود إلى أن نموذج العلمانية الأوروبى لا يتناسب مع الإسلام .. وأى محاولة لتطبيق هذا النموذج على أى دولة يشكل المسلمون فيها الأغلبية سيؤدى الى انتهاكات للحقوق الفردية والتى وضعت العلمانية من الأساس كى تحافظ عليها.. ولعل مقارنة بسيطة بين علمانية فرنسا وألمانيا من جانب وعلمانية تركيا المتطرفة من جانب آخر تظهر كيف تتطرف العلمانية الأوروبية  عندما نحاول تطبيقها بالقوة على الاسلام.. والحل أن نأخذ العلمانية من داخل الإسلام.. ونصنع نموذجنا الخاص.. هذا النموذج الذى كنا نطبقه قديما زمن الازدهار الاسلامى .. والذى تخلفنا حين ركنا الى التقليد والجمود والتشدد والتحريم المفرط والأخذ بسد الذرائع واختيار الأحوط حتى تفتت حضارتنا وتدهورنا إلى الحد الذى أصبحنا فيه  نحرم  لبس البرنيطة و التوضوء من ما الصنبور.
--------------------------------------------------
(*) تضمين التجار أى أن يكون التاجر أو الصانع مسؤول عن البضاعة التى تحت يده فإذا ما تلفت يجب أن يسدد ثمنها لصاحبها ، فمثلا لو أنك أعطيت قطعة من القماش للخياط وطلبت منه أن يخيطها جلبابا فأفسدها أو أتلفها فعليه أن يسدد ثمنها لك.

الأربعاء، 22 يونيو 2011

اقتراح للاستفتاء القادم

إن أحد الأسباب الرئيسية لأزمة الدستورأولا أم الإنتخابات أولا هى مسألة جمع عدد من المواد الدستورية فى استفتاء واحد بشكل يجعل للمواطن أختيارين لا ثالث لهما : إما أن يقول نعم ويوافق على تعديلات لا يراها كلها سليمة ، أويقول لا ويرفض تعديلات أخرى مفيدة ومطلوبة من وجهة نظره.لهذا يحاول البعض الآن تجاهل نتيجة الاستفتاء السابق والدعوة لوضع الدستورأولا.
لهذا أقترح أن نتلافى ذلك فى الاستفتاء المتوقع على الدستورالجديد بأن تضع اللجنة الانتخابية المسؤولة تحت خانتى (نعم / لا)  عبارة " المواد المرفوضة" وتترك مساحةخالية أسفلها يكتب فيها المواطن المواد التى تسببت فى رفضه للدستور ..على أن يتم الإلتفات لهذه المواد فقط فى حالة تصويت المواطن بلا على الدستور. فاذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء بموافقة الأغلبية على الدستور فلا بأس ، أما لوجاءت برفض الدستور فيتم جمع الاوراق التى صوت فيها المواطنون بلا ويتم حصرالمواد الدستورية محل الرفض وتعديلها بدلا من تعديل الدستور كاملا ..أوالإعتماد فى ذلك على أقوال الصحف والمحللين فقط.

الاثنين، 25 أبريل 2011

الجدل البيزانطى

أصبح من المعتاد اليوم أن ترى كل من هب ودب يتحدث فى أى علم من العلوم وكأنه العالم العلامة والخبير الأريب .. وأصبح التنظير مهنة من لا مهنة له ، حتى بات العالم الحق - الذى غالبا ما يكون مختلفا مع الأخرين - جاهلا ولا يفقه شىء فيما يتكلم. وقد حدث ذلك ولا يزال يحدث اليوم فيما يخص الحديث عن الأيديولوجيات.. فأصبحنا بعد الثورة نكثر الكلام عن الليبرالية والاشتراكية والعلمانية والديمقراطية والدولة الدينية أو المدنية .. ليس بغرض نشر العلم بين الناس وانما بغرض استمالة أكبر عدد ممكن منهم لهذه الأيديولوجيا أو تلك، أو تنفيرهم من هذه أو تلك. 
وقد اثرت الصمت والتأمل فيما يجرى حتى استطيع أن أكون رأيا فيما يحدث ؛ فقد كنت غير واثق من مدى ايجابية الأمر وهل هو ظاهرة صحية أم لا. غير أننى اكتشفت مؤخرا حقيقة المهزلة التى نعيشها اليوم؛ فحين أسمع " س" من المشايخ يقول أن الليبرالية هى ألا ترتدى المرأة الحجاب وأن يتزوج الرجل من رجل .. وأسمع من يهاجمون الدولة المدنية بوصفها دولة الزنى والشذوذ وأنها تهدف الى تدمير العقيدة ..  أو يقف خطيب فى أحد المساجد التى اعتدت الصلاة فيها قائلا : " هل تعلمون ما المواطنة .. انها اختلاط المسلم بغير المسلم حتى لا نعرف المسلم من غير المسلم" .هنا يجب أن نتوقف ونرد.. فالسكوت فى مثل تلك الحالات قد يكون علامة الرضا.
وأقول أن سبب ما نراه من حالة استهتار بالعلم انما يرجع للاتى:
  •  ما نعيشه من ظاهرة فوضى التعريفات والجرئة فى الخوض فى ادق المسائل العلمية أو الفلسفية دون خلفية دراسية تذكر هى كارثة بمعنى الكلمة.. خاصة وأن عددا معتبرا من أبناء مصر لا يقرأون ولا يكتبون .. وعددا كبيرا ممن يقرأون ويكتبون ويحملون شهادات جامعية لا تتجاوز ثقافتهم ثقافة طالب فى الصف الثانى الاعدادى.. وهو الأمر الذى يجعل الغالبية الكاسحة من الشعب المصرى غير مؤهلة للخوض فى معظم الموضوعات الفلسفية المعقدة المطروحة على طاولة النقاش اليوم.
  • أن معظم من يتحدثون فى تلك المسائل لا يتحدثون من ناحية تعليمية وانما انطلاقا من تحرك ايديولوجى الغرض منه جذب مزيد من الأنصار؛ فالعلمانى يريدك علمانيا والسلفى يريدك سلفيا والليبرالي يريدك ليبراليا والاشتراكى يريدك اشتراكيا.. فلا أحد يشرح لك ما استغلق عليك ويترك لك بعد ذلك الأختيار .. ولا أحد منهم يحدثك عن مذهبه وفكره بغرض الترويج له ويكتفى بذلك..  وانما يتجاوز ذلك بالحديث عن الفكر المضاد مقللا من قدره.. ومشوها له قدر المستطاع.. وكل ذلك بهدف جذب مزيد من الأنصار.
  •  اختفاء أدب الحوار والنقاش.. فما ان تبدأ فى المناقشة حتى تجد مناقشك وقد أصابه الملل والضيق وانحرف عن الحديث فى موضوع  المناقشة الى التشكيك فى عقلك وذمتك وعقيدتك.. بل الان الوضع قد ازداد سوءا بأن أصبحت بعض الهويات أو المذاهب سبة فى نظر البعض ؛ فيكفى اليوم أن تصف " س" من الناس بأنه صوفى أو سلفى أو علمانى أو ليبرالي .. هكذا بلا أضافات لتعنى بها أنه ضال أو كافر أو فاسق أو خسيس أو منحل.. وبهذا أصبحنا الأمة الوحيدة على وجه الأرض التى غيرت معانى المصطلحات العلمية ،وأعطتها معان شعبية جديدة لا علاقة لها بالمضمون الأصلى لتلك المفاهيم. وهذا فضلا عن الرغبة المرضية فى الفوز بأى نقاش أو جدال مهما كلف الأمر.. وأكتفى هنا للتعليق على هذ المسلك بقول الأمام الشافعى رحمه الله : " ما جادلت أحداً إلا أحببت أن يظهر الله الحق على لسانه" ... ويا ليتنا نتعلم.
ولعل كل ماسبق ذكره قد حول مناقشاتنا الى جدل بيزانطى عقيم لا يسفر عن شىء.. بل أصبحت مناقشاتنا ساحات للحرب ومناسبات للتخوين والتكفير والتطاول.. وأصبح من المعتاد أن نرى مناقشة وهى تنقلب الى سب وقذف بل وضرب وتشابك بالأيدى والأقدام. وأصبح صوت الجهل أعلى من صوت العلم.. وأصبح العالم يقف عاجزا أمام الجاهل لا يملك جوابا.. وتحولت القصة كلها الى مباراة لصراع الديوك وأصبح صاحب الحق هو المنتصر بغض النظر عما يقوله وهل هو كلام معقول أو مقبول أولا.. فأن تنتصر فى أى مناقشة اذن فأنت على حق.. ولأننا نعرف أن العالم اذا جادل عالما غلبه (لأنه يلزمه الحجة)  بينما  لو جادل العالم الجاهل انهزم أمامه ( لأن الجاهل يكابر بغير علم)..فقد أصبح الأكثر شهرة وصوتا اليوم هم رؤوس الجهل الذين يملكون لسانا قوالا حادا وعقلا مظلما بليدا يجيد الحفظ لا الفهم.
بقى أن نقول ان العلم واحترام من يعلمون هو الحصن الأخير فى زماننا .. ولا أقصد بذلك أن نبحث عن من نسلم لهم عقولنا ونسير خلفهم كالبهائم . وأنما نعمل عقولنا فيما يحدث من حولنا ، ونمارس التفكير الذى قال عنه العقاد رحمه الله أنه " فريضة اسلامية".

السبت، 12 فبراير 2011

الثورة.. فجر جديد

ستبقى الفترة من 25 يناير الى 11 فبراير فى ذاكرة كل مصرى الى الأبد.. فقد قام الشعب المصرى - ولأول مرة فى تاريخه - بتحرك شعبى لا يقوده قائد ولا يحركه فرد ، وانما هى فكرة راسخة فى ضمير وعقل كل متظاهر للتخلص من نظام ظالم وهاضم لحقوق المصريين واستبداله باخر ديمقراطى يعبر عن ارادة الشعب ويمثل سيادته الحقيقية بعدل و مساواة.
وما يجعل هذه الثورة هى الأهم فى تاريخ مصر.. أننا لانملك ثورات حقيقية قبلها .. فثورة يوليو - أو ما اصطلح على وصفها بثورة يوليو - ما هى الا انقلابا عسكريا ايده الشعب .. وثورة 1919  برغم انها تحركا شعبيا بالفعل الا انها لم تكن ضد حاكم ظالم بغرض خلعه وانما كانت ضد الأحتلال البريطانى .. أى انها مقاومة أكثر منها ثورة. أما هوجة عرابى فهى تحرك عسكرى ضد الخديوى وليست ثورة. حتى ثورة المصريين ضد الوالى خورشيد باشا فى أوائل القرن التاسع عشر والتى كانت بقيادة عمر مكرم واسفرت عن خلع خورشيد وتولية محمد على باشا فأنها لم تكتمل ولم تنجح فى تولية مصرى شؤون مصر، وبالتالى فوتت على المصريين فرصة عظيمة وتاريخية.
لكن ثورة 25 يناير كاملة مكملة.. سلمية وديمقراطية ومصرية وشعبية 100% واطاحت بحاكم ظالم وسينتج عنها حكم ديمقراطى.. فلا عجب ان يهلل لها العالم ويصفها بالتاريخية وان يقول عنها اوباما انها تعادل سقوط سور برلين.
أن الشهور القادمة هى نقطة التحول فى تاريخنا.. وعلينا أن نكون على مستوى الحدث .. فالثورة كانت فجرا جديدا لمصر .. وبعد الفجر يأتى نهار من العمل الشاق حتى نحقق أهدافها المجيدة.
 

الأربعاء، 5 يناير 2011

الطائفية المزيفة

أصبح من المعتاد عند وقوع حوادث كارثية مثل ذلك الحادث المروع الذى شهده شارع خليل حمادة بمنطقة سيدى بشر بالاسكندرية ( أمام كنيسة القديسين) أن نسمع نغمة الفتنة الطائفية لوصف حالة التوتر  التى تعيشها مصر.. وقد أصبح هذا الوصف مقبولا بشكل واسع حتى انك لا تسمع أو ترى من ينفى وجود تلك الفتنة الا فيما ندر. والحقيقة أن تلك الفتنة الطائفية ما هى الا وهم مزيف لا وجود له على أرض الواقع؛ فوفقا لموسوعة ويكيبيديا فان تعريف الطائفية : "هى التعصب أو التمييز أو الكراهية الناجمة عن اعطاء اهمية شديدة للاختلافات الفاصلة  داخل الجماعة الواحدة مثل ما يكون فى الدين الواحد أو بين فصائل الحركة السياسية الواحدة". وهو ما لا وجود له فى مصر. فلو أننا تمعنا فى مختلف الحوادث والصراعات الطائفية فى العالم والتى تسبب كوارث كبرى سنجد انها دائما مرتبطة بوجود حالة انفصال جغرافى بين الطوائف المتناحرة ، مثل : حالة لبنان ( شيعة فى الجنوب وسنة ومسيحيين فى الشمال ) أو  حالة نايجيريا ( المسلمون فى الشمال والمسيحيون فى الجنوب) أو حالة العراق ( الأكراد فى الشمال  والسنة فى الجنوب والشيعة فى الوسط) حالة ايرلاندا ( تنقسم الى مناطق للبروتيستانت وأخرى للكاثوليك ) حالة اسبانيا ( انعزال الكاتالونيين فى اقليم الباسك وتميزهم عن الاسبان).. وهكذا فى كل حالات الصراع الطائفى وهو الأمر الذى لا وجود له فى حالة مصر .. فلا وجود لقرية مسيحية أو حى اسلامى أو مدينة أو شارع حتى..فالمسيحى والمسلم يسكنون كل مدن وقرى مصر من شمالها الى جنوبها دون حواجز أو فواصل من أى نوع.. وهم يتعايشون على هذه الصورة منذ مئات السنين بما يعيق أى صراع طائفى  محتمل.
الأمر الأخر أن الصراع الطائفى هو صراع شعبى .. هو صورة مصغرة للحرب الأهلية وبالتالى فيجب ان يكون هذا الصراع بين طوائف من الشعب نفسه وهو ما لا ينطبق على مصر  فالحالة الوحيدة للعنف الطائفى فى مصر حدثت نتيجة مصادمات بين عدد من المسيحيين واليهود والوثنيين فى فترة ما قبل مقتل الفيلسوفة هيباتيا عام 410 ميلادى تقريبا..وفيما عدا ذلك فهى صدامات تحدث بين المواطنين المسيحيين والدولة لاسباب تتعلق بالحريات والحقوق  ..الخ مثل ما حدث من اضطهاد الحاكم الرومانى للمسيحيين الارثودوكس لارغامهم على اعتناق الكاثوليكية..أو صدام والى الخليفة المأمون مع المسيحيين فى عام 216 ه وكان عيسي بن منصور واليا علي مصر ، ورأي المأمون أن يأتي إلي مصر لتهدئة الثورة عام 217ه وقد سخط علي الوالي وقال ( لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك , حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر حتي تفاقم الأمر واضطربت البلاد ).
حتى ما يحدث اليوم من سخط مسيحى ليس سوى امتعاض من سلوكيات خاطئة للحكام وبالتالى فالازمة ليست طائفية وانما هى خلاف بين المواطن المسيحى وبين مؤسسات الدولة فمطالب المسيحيين فى مصر والتى تتلخص فى : 
  • سن القوانين التى تكفل للمسيحى حقوقا متساوية مع المسلم على قاعدة المواطنة . مثل قانون الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية أو القانون الموحد لبناء دور العبادة..الخ
  • العدالة فى أختيار من يتولون المناصب العامة بحيث لا يستبعد المواطن الكفء بسبب كونه مسيحيا.
  • اعمال سيادة القانون على الجميع ( خاصة فى الصعيد) بحيث نتجنب طريقة تقبيل اللحى والمصالحات العرفية وان يتم التعامل مع أى أزمة بين المسلمين والمسيحيين وفقا لاحكام القانون ودون مجاملات او محاباة.
  • اعادة كتابة مناهج التعليم بشكل يعرف الطفل المصرى بتايخ بلده الحقيقى دون تجاهل الحقبة المسيحية التى عاشتها مصر لقرون قبل الفتح الاسلامى لها. وايضا بث نماذج ايجابية لنشر ثقافة المواطنة والتعايش السلمى بين المسلم والمسيحى .
كل تلك المطالب لا يقدر على تحقيقها الا مؤسسات الدولة من مجالس نيابية وكيانات تنفيذية ، وبالتالى مطالبة المسيحى للمسلم بها غير منطقى وانما تكون المطالبة للحكومة وللحزب الحاكم ..لهذا فمشكلة المسيحى فى مصر هى مشكلة مواطن مع مؤسسات دولته.. اى انها مشكلة سياسية دينية وليست مشكلة طائفية عنصرية. لهذا فاننا نلقى باللوم فى نشوب اى من  تلك الازمات على الحكومة فى مصر فسوء التصرف هو الذى ولد - ولا يزال - يولد تلك الأزمات ، فالتراشق اللفظى بين المسلمين والمسيحيين فى كل مرة يغير فيها شخص ما  دينه فى مصر انما تولد من جراء وضع الدولة عراقيل امام قضية تغيير الدين ..فلو ان تغيير الدين يصبح بسهولة تغيير اى من بيانات البطاقة الشخصية ما كان احد كتب عن من تنصر أو اسلم  وكأنه فتح عكا.
والخلاصة أن ما يتردد عن  فتنة طائفية فى مصر هو بروباجندا أعلامية يتم استغلالها بعد ذلك ممن يريدون لمصر الشر .. لكن الحقيقة على أرض الواقع يعلمها ويعيشها كل مصرى يركب الاتوبيس او يسير فى الشارع ..مصر بلد المسلم والمسيحى ..فلا وجود لمصر الاسلامية او المسيحية أنما هى جمهورية مصر العربية فقط.