الأربعاء، 5 يناير 2011

الطائفية المزيفة

أصبح من المعتاد عند وقوع حوادث كارثية مثل ذلك الحادث المروع الذى شهده شارع خليل حمادة بمنطقة سيدى بشر بالاسكندرية ( أمام كنيسة القديسين) أن نسمع نغمة الفتنة الطائفية لوصف حالة التوتر  التى تعيشها مصر.. وقد أصبح هذا الوصف مقبولا بشكل واسع حتى انك لا تسمع أو ترى من ينفى وجود تلك الفتنة الا فيما ندر. والحقيقة أن تلك الفتنة الطائفية ما هى الا وهم مزيف لا وجود له على أرض الواقع؛ فوفقا لموسوعة ويكيبيديا فان تعريف الطائفية : "هى التعصب أو التمييز أو الكراهية الناجمة عن اعطاء اهمية شديدة للاختلافات الفاصلة  داخل الجماعة الواحدة مثل ما يكون فى الدين الواحد أو بين فصائل الحركة السياسية الواحدة". وهو ما لا وجود له فى مصر. فلو أننا تمعنا فى مختلف الحوادث والصراعات الطائفية فى العالم والتى تسبب كوارث كبرى سنجد انها دائما مرتبطة بوجود حالة انفصال جغرافى بين الطوائف المتناحرة ، مثل : حالة لبنان ( شيعة فى الجنوب وسنة ومسيحيين فى الشمال ) أو  حالة نايجيريا ( المسلمون فى الشمال والمسيحيون فى الجنوب) أو حالة العراق ( الأكراد فى الشمال  والسنة فى الجنوب والشيعة فى الوسط) حالة ايرلاندا ( تنقسم الى مناطق للبروتيستانت وأخرى للكاثوليك ) حالة اسبانيا ( انعزال الكاتالونيين فى اقليم الباسك وتميزهم عن الاسبان).. وهكذا فى كل حالات الصراع الطائفى وهو الأمر الذى لا وجود له فى حالة مصر .. فلا وجود لقرية مسيحية أو حى اسلامى أو مدينة أو شارع حتى..فالمسيحى والمسلم يسكنون كل مدن وقرى مصر من شمالها الى جنوبها دون حواجز أو فواصل من أى نوع.. وهم يتعايشون على هذه الصورة منذ مئات السنين بما يعيق أى صراع طائفى  محتمل.
الأمر الأخر أن الصراع الطائفى هو صراع شعبى .. هو صورة مصغرة للحرب الأهلية وبالتالى فيجب ان يكون هذا الصراع بين طوائف من الشعب نفسه وهو ما لا ينطبق على مصر  فالحالة الوحيدة للعنف الطائفى فى مصر حدثت نتيجة مصادمات بين عدد من المسيحيين واليهود والوثنيين فى فترة ما قبل مقتل الفيلسوفة هيباتيا عام 410 ميلادى تقريبا..وفيما عدا ذلك فهى صدامات تحدث بين المواطنين المسيحيين والدولة لاسباب تتعلق بالحريات والحقوق  ..الخ مثل ما حدث من اضطهاد الحاكم الرومانى للمسيحيين الارثودوكس لارغامهم على اعتناق الكاثوليكية..أو صدام والى الخليفة المأمون مع المسيحيين فى عام 216 ه وكان عيسي بن منصور واليا علي مصر ، ورأي المأمون أن يأتي إلي مصر لتهدئة الثورة عام 217ه وقد سخط علي الوالي وقال ( لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك , حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر حتي تفاقم الأمر واضطربت البلاد ).
حتى ما يحدث اليوم من سخط مسيحى ليس سوى امتعاض من سلوكيات خاطئة للحكام وبالتالى فالازمة ليست طائفية وانما هى خلاف بين المواطن المسيحى وبين مؤسسات الدولة فمطالب المسيحيين فى مصر والتى تتلخص فى : 
  • سن القوانين التى تكفل للمسيحى حقوقا متساوية مع المسلم على قاعدة المواطنة . مثل قانون الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية أو القانون الموحد لبناء دور العبادة..الخ
  • العدالة فى أختيار من يتولون المناصب العامة بحيث لا يستبعد المواطن الكفء بسبب كونه مسيحيا.
  • اعمال سيادة القانون على الجميع ( خاصة فى الصعيد) بحيث نتجنب طريقة تقبيل اللحى والمصالحات العرفية وان يتم التعامل مع أى أزمة بين المسلمين والمسيحيين وفقا لاحكام القانون ودون مجاملات او محاباة.
  • اعادة كتابة مناهج التعليم بشكل يعرف الطفل المصرى بتايخ بلده الحقيقى دون تجاهل الحقبة المسيحية التى عاشتها مصر لقرون قبل الفتح الاسلامى لها. وايضا بث نماذج ايجابية لنشر ثقافة المواطنة والتعايش السلمى بين المسلم والمسيحى .
كل تلك المطالب لا يقدر على تحقيقها الا مؤسسات الدولة من مجالس نيابية وكيانات تنفيذية ، وبالتالى مطالبة المسيحى للمسلم بها غير منطقى وانما تكون المطالبة للحكومة وللحزب الحاكم ..لهذا فمشكلة المسيحى فى مصر هى مشكلة مواطن مع مؤسسات دولته.. اى انها مشكلة سياسية دينية وليست مشكلة طائفية عنصرية. لهذا فاننا نلقى باللوم فى نشوب اى من  تلك الازمات على الحكومة فى مصر فسوء التصرف هو الذى ولد - ولا يزال - يولد تلك الأزمات ، فالتراشق اللفظى بين المسلمين والمسيحيين فى كل مرة يغير فيها شخص ما  دينه فى مصر انما تولد من جراء وضع الدولة عراقيل امام قضية تغيير الدين ..فلو ان تغيير الدين يصبح بسهولة تغيير اى من بيانات البطاقة الشخصية ما كان احد كتب عن من تنصر أو اسلم  وكأنه فتح عكا.
والخلاصة أن ما يتردد عن  فتنة طائفية فى مصر هو بروباجندا أعلامية يتم استغلالها بعد ذلك ممن يريدون لمصر الشر .. لكن الحقيقة على أرض الواقع يعلمها ويعيشها كل مصرى يركب الاتوبيس او يسير فى الشارع ..مصر بلد المسلم والمسيحى ..فلا وجود لمصر الاسلامية او المسيحية أنما هى جمهورية مصر العربية فقط.