السبت، 20 مارس 2010

مذيعتى المفضلة


رولا مصطفى خرسا ..إعلامية متميزة بكل معنى الكلمة ..هى مدرسة فى أدائها ، فهى ليست مِمَّن يعتمدن من المذيعات ومقدمات البرامج على " طلتهن" البراقة أو حلاوة صورهن على الشاشة ..فهي تفكر فى عملها وموضوعات برامجها أكثر مما تفكر فى تسريحة شعرها التى ستظهر بها أو الفستان الذى سترتديه. تُخاطب عقول الناس ومشاعرهم، لا غرائزهم ونقاط ضعفهم. تعلم أن ما يبقى من الإعلامى فى آخر المشوار هو قضاياه التى أثارها والمشكلات التى عرضها والحقائق التى كشفها، وليس كيف كان شكله أو ما الذى كان يرتديه.
ولـ "رولا" أسلوب خاص بها ..فهى لا تتصدى للضيف برفع الصوت أو الكلام الكثير والمقاطعة المتكررة والتى هى عادة مذيعات اليوم ..وأنما تتبع أسلوبا أقرب إلى المدرسة الكلاسيكية؛  فهى تُذكّرك للوهلة الأولى بمذيعات الرعيل الأول بالتلفزيون والإذاعة ممن كُنَّ يستفتحْنَ كلامهنَّ بالعبارة الشهيرة: "سيداتى..آنساتى ..سادتى..أهلا ومرحبا بكم فى برنامجكم  كذا"، غير أن الجديد والذى يجعل رولا هى رولا وليس شخصًا آخر أنها تتحدث وفقا لطبيعتها فالمذيعات في الماضي كن يتبعن هذه الطريقة كجزء من عملهن، لكن رولا تتحدث كما هى على الطبيعة ..حتى أنك قد تجدها تتحمس مثل طفلة صغيرة وهى تحاور ضيفًا ما وتُعبِّر عن سعادتها برأى قاله أو بفكرة عرضها قائلة: "اه.. دى حلوة قوى".. وهو أمرٌ غير معتاد فى المدرسة القديمة، حيث المذيعة جميلة أنيقة لكنها جامدة كالعروس الحلاوة، تتخير كلامها فلا تشعر أنك أمام إنسانة وانما روبوت لا يخطىء..إنَّ محاولة تقليد رولا بهذا الشكل تُعد عملية مستحيلة..فهى تُظهر كثير من نفسها ومشاعرها على الشاشة بشكل تلقائى ..تفرح ..تحزن..تتأثر وتبكى أحيانا..ولعل من تابع برنامجها المميز "القصة وما فيها" قد لاحظ ذلك بوضوح.
وعلى الرغم من أنها تجيد اللغتين " الفرنسية" و"الانجليزية" الا أننا لا نجدها الا وهى تتحدث العربية الفصيحة معظم الوقت، ولا تفعل مثل أخريات ممن يريدن أن يستعضن عن ضحالة ثقافتهن بترديد بعض الكلمات الأجنبية كى يخدعن المشاهدين ويظهرن رفيعات الثقافة. كما أنها تعتذر إذا ما خرجت منها كلمة اجنبية دون قصد، ولا يفعل ذلك إلا من يحترم ثقافته وتراثه وما أقلهم فى زمننا هذا.
تكتب رولا مقالا أسبوعيا فى جريدة المصرى اليوم (يوم الأربعاء)، وهى فى كتاباتها تعبر عن نفسها أيضا ..فرولا المقرؤة هى نفسها رولا المسموعة المرئية..تختار الموضوعات التى تهم الناس.. تعبر عما يدور داخلها ويؤثر فيها..تخرج آرائها لا كآراء النقاد الكبار أو المفكرين المتعمقين من أصحاب الدراسات المتخصصة، وإنما تكتب ما تراه هى وفقا لمعتقداتها وتربيتها ومشاعرها وإحساسها بالصواب والخطأ .
ولعلها تُربى أبنائها بنفس الطريقة..فهى تتبع غريزة الأمومة فيها..ومعيار الصواب والخطأ ..ومن يرى صورها مع أبنائها يشعر بمدى ما تمنحه تلك الانسانة  لأبنائها من حب وحنان ودفء..
اختم مقالى هذا بتجربة شخصية حدثت لى مع الاستاذة رولا خرسا أرى أنها خير دليل على نبلها واحترامها للأخرين مهما كانوا.
حين انهيت دراستى الجامعية كانت لدى رغبة فى أن أعمل بالصحافة..ولأننى أعرف أن عالم الاعلام والصحافة هو عالم كثير الأبواب لكنها أبواب لا تفتح الا من الداخل ..فلكى تنضم للمنظومة ينبغى أن يقدم لك يد العون شخص من أبنائها ..ولذلك كنت أرسل رسائل إلكترونية للعديد من الكتاب الكبار ممن يزينون ويذيلون اعمدتهم الصحافية ببريدهم الالكترونى أطلب منهم أن يرشدوننى الى الطريق ..لكننى لم اتلقى ردا من أحد وكنت كمن يصرخ فى البيداء..أو كما يقول الشاعر: "تُسْمِعُ إنْ ناديت حيًا**لكن لا حياة لمن تنادى". ومِنْ كثرة ما تعودت على التجاهل كنت لا أعبأ بمن يتجاهلنى ولا اتأثر بالمرة. حتى أرسلت رسالة الى الاستاذة رولا..وكنت اتوسم فيها الخير وحسن الخلق، فكنت متأكدا أنها سترد علىّ..لكنها لم تفعل، فكانت الصدمة علىّ شديدة ..ليس لأنها تجاهلتنى فلم تكن الأولى على أى حال وانما لأن فراستى خانتنى فيها ..فأرسلت لها رسالة غاضبة اقول فيها :
"يا أعدل الناس ألا فى معاملتى...... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
لا اعرف كيف اصف شعورى وأنا جالس منتظرًا ردك الذى لم يأت على رسالتى الأولى ..والمعنونة بـ "النجدة". لا أعرف..هل رد صغير المبنى، كبير المعنى، مما لا يضيق به قلمك أو وقتك، صعب الى هذه الدرجة؟! إن كان الأمر كذلك فاعذرى  أستاذتى جهلى ..وسامحيني.. واعدك ألا ازعجك ثانية بطلباتى التى لا يتسع لها وقتك أو..قلبك وعقلك والسلام".
فما كان منها الا أن ارسلت الى ردا قصيرا واعتذارا على التأخير تقول فيه:
"عفوا على تأخرى فى الرد ولكن تصلنى يوميا عشرات الطلبات المماثلة وليتنى استطيع مساعدة الجميع "
ولا يمكن أن أصف لكم حجم سعادتى بتلك الرسالة ..وكيف اثرت فىّ رغم أنها تحمل معنى عدم القدرة على المساعدة..لكننى تيقنت وقتها أن حدسى كان صحيحا وأنها ليس مثل الأخرين ممن يظهرون على الشاشات بوجه غير حقيقتهم...
ان رولا خرسا فى كلمات قليلة " مذيعة صادقة فى سماء الفضائيات المليئة بالكذب"..وهى بالنسبة لى "مذيعتى المفضلة".