الأحد، 20 ديسمبر 2009

أشياء فى مصر "غيظانى" : (1) من المسؤول عن تدمير شارع "النبى دانيال"



"شارع الكتب"..هكذا كنا نطلق عليه.
كل مريدى القراءة ومحبيها فى الاسكندرية كانوا يزورونه، وينهلون من على أرصفته الثقافة والفكر بأرخص الأسعار..اذكر أنى كنت اذهب ولا يوجد فى جيبى الا الجنيه والجنيهان، واعود وانا احمل ما اشتريته من كتب نفيسة.
ترى البائع وقد رص الكتب على أرض الرصيف وقد حملت كل مجموعة منها بطاقة سعر: " أى كتاب بجنيه" ، "أى كتاب ب 2 جنيه"..وهكذا، والناس من كل الأعمار تنحنى تتفحص العناوين القديمة لعلها تجد ضالتها فى أحدها.
قرأت نجيب محفوظ..ويوسف ادريس ..ومحمد عبده..والدكتورة بنت الشاطئ..ومحمد مستجاب..واخرين. كلهم امامك على الرصيف. ما عليك الا أن تمد يدك تلتقط الكتاب وتدفع ما يساوى الأن ثمن سندوتش من الفول.
كذلك فقد كان يرتاد هذا الشارع العظيم من لم يستطع دفع ثمن الكتاب الجامعى الباهظ فيبحث هناك عن نسخ أو طبعات قديمة لنفس الكتاب وغالبا ما يرجع بيته مجبور الخاطر.كما ان الباعة هناك يقدمون لك الكتب والروايات الاجنبية أيضا فسترى روايات أجاثا كريستى..وتشالز ديكنز..وتشكسبير..وشارلوت وامليا برونتى..واوسكار ويلد..الخ جنبا الى جنب على الرصيف..كل هذا بقروش قليلة.
اليوم..حين تزور شارع النبى دانيال المتفرع من ميدان محطة مصر يالاسكندرية ..لا ترى سوى أطلال ..وبقايا تخبرك انه كان هنا فى يوم ما سوقا رائجة للكتب..فلم يعد الأن فى الشارع سوى باعة الملابس وأطباق استقبال الاقمار الصناعية والريسيفرات..وذلك بعد أن شن السيد المحافظ هجمة شرسة وعمياء على كل باعة الرصيف..غير مفرق بين من يبيعون العلم والثقافة للناس ومن يبيعون "الكابات" و"التى شيرتات" والسبح والبخور. ولا أعلم من المستفيد من هذا ..قطعا ليسوا شباب هذا البلد..فكل دول العالم تترك باعة الكتب يفترشون الأرصفة..بل أنه كلما ازداد عدد باعة الكتب ازدادت قيمة القراءة وقيمة البلد الذى يشجع عليها ..اتذكر منذ سنوات حين قامت المذيعة الراحلة واللامعة "سامية الأتربى" بعمل تحقيق مصور عن شارع النبى دانيال فى برنامجها الشهير "حكاوى القهاوى"..واليوم نحن فى حاجة لمن يحقق فى ماحدث وينقذ ما بقى من شارع الكتب قبل أن تنتهى هذه الظاهرة الحضارية من عندنا مفسحة الطريق لباعة الملابس والموبايلات.