السبت، 18 أغسطس 2012

أزمة المُلحد

كلما سمعت ملحداً أو تناقشت معه أجد نفس الفكرة تتردد فى رأسى . الملحد هو شخص يعيش أزمة فكرية حقيقية . وأعتقد أن السبب فى ذلك أنه لم يستطع أن يكون ملحداً بنسبة 100% ، فهو وإن كان استطاع إن يتخلص من معتقده إلا أنه عجز عن أن يجيب عن كل التساؤلات التى تقابله فى الحياة .. فهو ينكر أشياء يجد الواقع يثبتها أو يشير إليها. وما يزيد من أزمته أن قواعد العقل - التى إتخذها هو نفسه دليلاً ومرجعاً للحكم على أى قضية - أصبحت تعانده وتواجهه و تدفعه إلى التسليم بما كفر به أول الأمر. ويمكننا هنا أن نلخص مظاهر أزمة الملحد فى النقاط الرئيسية التالية :
أولا : الملحد يناقض المنطق وقواعد التفكير السليم.
: فهو لا يقول " يوجد إله وأنا كافرٌ به ".. وإنما يدعى عدم وجود إله من الأساس . وحينما تسأله من فى رأيه هو مُنشئ هذا الكون المنظم تنظيماً بديعاً.. ينسب ذلك إلى الصدفة والتطور العشوائى للموجودات . ولو حاولت أنت أن تقنعه بأنه من الممكن وجود  حجرة صغيرة مرتبة ومنظمة لم يقم بترتيبها أو تنظيمها أحد ، وإنما حدث ذلك بالصدفة ( اتباعاً لنظريته ) لوجدته يستنكر ذلك بشدة . فهو يقبل الأمر الأصعب والأعقد ( نشأة الكون فى نظام ) ويرفض الأمر الصغير البسيط ( ترتيب الحجرة ) ، وهو عوارٌ واضح فى تفكيره .
- ثانيا : يبدو من سلوك الملحد عندنا أنه ليس واثقا من موقفه ..
فهو يتحدث طوال الوقت عن عدم وجود إله ، وبالتالى عن عدم جدوى الأديان ، وعن تزييف الرسل و كذبهم . والعقل يقول عندما تعتقد أنت ذلك فالمفروض ألا تعطى أى إهتمامٍ لتلك الأديان وخرافاتها ، لكنه على النقيض.. يقضى معظم وقته فى سب هذه الأديان ومحاولة إثبات كذبها ، و السخرية منها أو الخوف منها أحياناً ، وكأنه بأفعاله يناقض أقواله .. فما هو غير حقيقى وغير موجود لا ينبغى أن أهتم به إلا إذا كنت أريد أن أعيش فى الأوهام.
- ثالثا : الملحد يتبنى موقفاً ويعجز عن تغييره حتى ولو من أجل مصلحته الشخصية ..
فهو يقرر عدم وجود إله ويقرر ألا يتعبد لأى إله وهمى . بينما معظم الأديان فى العالم تتحدث عن عذاب ينتظر الكافرين. فما الضرر من عبادة إله وهمى ( من المحتمل أن يكون حقيقياً ) كى تأمن غضبه فى الآخرة . وفى ذلك أذكر ما قاله الفيلسوف البرجماتى " وليم جيمس " عندما سُأل : هل تؤمن بوجود إله ؟ فكان رده " أرى من مصلحتى أن أؤمن بوجوده ..فإن كان غير موجود لم أخسر شيئاً فى الآخرة.. لكن لو كفرت به و هو موجود فسيعاقبنى على كفرى يوم القيامة ". فحتى الفكرالنفعى يقود للإيمان وليس الإلحاد .
- رابعاً : الملحد يعتبر أنه يُعمل عقله بينما هو فى واقع الأمر أول من يدهس العقل تحت حذائه.
فهو يشبه الدُجماطيقيين فى تمسكه بفكرة حتى ولو ثبت عوارها .. ويصرّ على السير فى طريق يعلم أنه خاطئ من الناحية العقلية .. فالإنسان منذ الأزل عرف أنه غير قادر على أن يخلق نفسه .. وأن هذه القدرة ( الخلق) لا يملكها .. وأنه كإنسان يشعر بالنقص بسبب ذلك ، وهذا يعنى أن عقله يمتلك صورة للكمال يقارن بها نفسه فتُظهر له نقصه.. وصورة الكمال هذه إنما هى للموجود الأعلى .. الذى يُنكره هو أصلاً. 
- خامساً : يحاول الملحد - دعما لموقفه - أن يربط بين الفردية ونعمة استخدام العقل ، وفكرة التحليق خارج السرب ؛ وبين الإلحاد واللادينية .. والحقيقة أنه لا رابط بينهم .. فمن الممكن أن يبقى الإنسان مسيحيا أو يهودياً أو مسلماً ويفكر بفردية و استقلالية .. والأمثلة على من فعلوا ذلك أكثر من ان تحصى سواءً من بقى منهم على موقف واحد طوال حياته ، أو من غير موقفه منهم من فكر إلى آخر خلال مسيرته الفكرية . 
الخلاصة.. الملحد يدعى العقلانية ولا يحترم أبسط قواعد العقل ، ويدعى السلام الداخلى وهو أكثر الناس أضطرابا وقلقاً ، يتخيل نفسه مدافعاً عن الحريات وهو يسعى حثيثا ( وبنفس طريقة المتدين ) إلى حمل الناس على إعتناق أفكاره أو يحتقرهم ويعتبرهم غنماً فى قطيع الدين . الملحد يعيش أزمة فكرية حقيقية .. والمشكلة أنه مثل المجنون.. لا يشعر ببلواه التى يراها كل الناس..إلا هو.