الأحد، 20 ديسمبر 2009

أشياء فى مصر "غيظانى" : (1) من المسؤول عن تدمير شارع "النبى دانيال"



"شارع الكتب"..هكذا كنا نطلق عليه.
كل مريدى القراءة ومحبيها فى الاسكندرية كانوا يزورونه، وينهلون من على أرصفته الثقافة والفكر بأرخص الأسعار..اذكر أنى كنت اذهب ولا يوجد فى جيبى الا الجنيه والجنيهان، واعود وانا احمل ما اشتريته من كتب نفيسة.
ترى البائع وقد رص الكتب على أرض الرصيف وقد حملت كل مجموعة منها بطاقة سعر: " أى كتاب بجنيه" ، "أى كتاب ب 2 جنيه"..وهكذا، والناس من كل الأعمار تنحنى تتفحص العناوين القديمة لعلها تجد ضالتها فى أحدها.
قرأت نجيب محفوظ..ويوسف ادريس ..ومحمد عبده..والدكتورة بنت الشاطئ..ومحمد مستجاب..واخرين. كلهم امامك على الرصيف. ما عليك الا أن تمد يدك تلتقط الكتاب وتدفع ما يساوى الأن ثمن سندوتش من الفول.
كذلك فقد كان يرتاد هذا الشارع العظيم من لم يستطع دفع ثمن الكتاب الجامعى الباهظ فيبحث هناك عن نسخ أو طبعات قديمة لنفس الكتاب وغالبا ما يرجع بيته مجبور الخاطر.كما ان الباعة هناك يقدمون لك الكتب والروايات الاجنبية أيضا فسترى روايات أجاثا كريستى..وتشالز ديكنز..وتشكسبير..وشارلوت وامليا برونتى..واوسكار ويلد..الخ جنبا الى جنب على الرصيف..كل هذا بقروش قليلة.
اليوم..حين تزور شارع النبى دانيال المتفرع من ميدان محطة مصر يالاسكندرية ..لا ترى سوى أطلال ..وبقايا تخبرك انه كان هنا فى يوم ما سوقا رائجة للكتب..فلم يعد الأن فى الشارع سوى باعة الملابس وأطباق استقبال الاقمار الصناعية والريسيفرات..وذلك بعد أن شن السيد المحافظ هجمة شرسة وعمياء على كل باعة الرصيف..غير مفرق بين من يبيعون العلم والثقافة للناس ومن يبيعون "الكابات" و"التى شيرتات" والسبح والبخور. ولا أعلم من المستفيد من هذا ..قطعا ليسوا شباب هذا البلد..فكل دول العالم تترك باعة الكتب يفترشون الأرصفة..بل أنه كلما ازداد عدد باعة الكتب ازدادت قيمة القراءة وقيمة البلد الذى يشجع عليها ..اتذكر منذ سنوات حين قامت المذيعة الراحلة واللامعة "سامية الأتربى" بعمل تحقيق مصور عن شارع النبى دانيال فى برنامجها الشهير "حكاوى القهاوى"..واليوم نحن فى حاجة لمن يحقق فى ماحدث وينقذ ما بقى من شارع الكتب قبل أن تنتهى هذه الظاهرة الحضارية من عندنا مفسحة الطريق لباعة الملابس والموبايلات.

الخميس، 3 ديسمبر 2009

الجنيه المصرى ...والمستقبل المظلم


علمت بالصدفة على خلفية أحداث مباراة مصر والجزائر التى اقيمت فى السودان الشقيق أن الجنيه السودانى يساوى الأن أربعة جنيهات مصرية. وقد زهلت عن معرفتى بتلك المعلومة..فالجنيه السودانى من سنوات قليلة ماضية كان يضرب به المثل فى انخفاض القيمة الشرائية للعملة..حتى أننا كنا نتندر قائلين ان السودانى يشترى الجريدة بعشرة الاف جنيه ..وأنه يستأجر سيارة نصف نقل لكى يحمل عليها مرتبه الشهرى والذى سيتجاوز المليون جنيه سودانى قطعا ..فاذا بالجنيه المصرى ينخفض الى مادون الجنيه السودانى( او ربما هو الجنيه السودانى الذى ارتفع لا اعلم بالضبط ) الا ان النتيجة واحدة وهو أن الجنيه المصرى يلفظ انفاسه الأخيرة.

اتذكر تاريخه العريق ويأخذنى الحزن والأسى..فقد كان المسكين فى بدايات القرن العشرين يساوى جنيه من الذهب + قرشين صاغ..أى أن الجنيه المصرى كان أزيد من الجنيه الذهب بقرشين صاغ..وقبل الثورة بسنوات قليلة و تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية كان الجنيه المصرى يساوى سبعة جنيهات انجليزية..وبعد الثورة انخفض عن هذا المقدار قليلا ..فقد ذكر الأستاذ "احسان عبد القدوس "أنه فى لندن عام 1955 قد غير الجنيه المصرى بخمس جنيهات استرلينية كاملة..أما اليوم فالجنيه الذهب يساوى أكثر من 800 جنيه مصرى..والجنيه الأسترلينى يساوى اكثر من عشرة جنيهات مصرية..فما الذى حدث؟!!
المشكلة أن الجنيه المصرى المسكين يعانى من أعراض نقدية غير مفهومة بالنسبة لزمرة الأشاوس من المسؤلين عن الاقتصاد فى مصر وعلى رأسهم الدكتور "يوسف بطرس غالى"..فالدولار الأمريكى انخفضت قيمته امام كل عملات الأرض عدا الجنيه المصرى الذى "حرن" وحلف بالطلاق انه لن يرتفع امام الدولار وهذا طبعا لأن الجنيه أبن اصل ..والعين لا تعلو على الحاجب..وان العملات الأخرى لم ترأف لحال الدولار والذى هو فى نظر الجنيه المصرى "عزيز قوم ذل".

لهذا نجد الجنيه المصرى تنخفض قيمته بحماس شديد بينما لا ترتفع قيمته الا بطلوع الروح ..وهو ما أثر على مستوى المعيشة فى مصر ..وبدلا من ان نطمع فى السفر للعمل بدول الخليج أصبحت السودان أقرب وفرق اربعة جنيه موش شوية..المشكلة الحقيقية هى أن السادة الخبراء بحكومتنا لا يعترفون بوجود أزمة فيما يخص الجنيه..فما ان تسألهم حتى يأتيك الجواب الشافى ..انخفاض الجنيه شىء طبيعى فى مثل هذه الظروف ( والتى تتغير كل عام لكنها أبدا لا تزول ) كما ان تلك الظروف لا تحدث الا لنا أما باقى الدول فلا أثر لتلك الظروف عليهم

ولعل الشىء المضحك فى الموضوع ..أن انخفاض القيمة الشرائية للجنيه ومشتقاته( النصف والربع والعشرة قروش..الخ) قد جعل تكلفة صك العملة أو طباعتها أكثر كلفة من ثمنها مما اضطر حكومتنا الى تخفيض حجم العملات جميعا الورقية منها والمعدنية حتى بات الجنيه فى حجم الربع جنيه ..اما الربع فقد اصبح فى حجم البريزة..والتى اصبحت فى حجم الخمسة قروش..اما هذه المسكينة فقد أصبحت رؤيتها بالعين المجردة مسألة صعبة للغاية.

أن ما أخشاه أن يواصل الجنيه المصرى (الذى كان جبس فى يوم من الايام) الانخفاض حتى يلقى مصير المأسوف على شبابه " الأفغانى الافغانستانى" والذى لاقى حدفه اثر ازمة قلبية أمام النور السرمدى للدولار الامريكى..وانا لله وانا اليه راجعون.

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

فن الكوميديا..وأزمة الجوائز



تعد الكوميديا من أرقى فنون الأداء التمثيلى..ومن أكثرها شعبية وجماهيرية.فالكوميديان يعمل على توصيل فكرة أو قيمة جادة ومهمة فى صورة ساخرة وهزلية تضحك المتفرج وتعلمه فى نفس الوقت ..وهو ما جعل الكوميديا من أصعب طرق الأداء الصامت أو الناطق ،ولهذا لا يصلح كل ممثل لأداء هذا النوع من الفن ..فهو يحتاج الى موهبة عظيمة ودراية كبيرة وخبرة واسعة ..فأى خطأ فى اداء الممثل قد يجعله ينزلق الى الأسفاف أو التهتك والسوقية
وعلى الرغم من ذلك نجد الفن الكوميدى لا يلقى التقدير الواجب كما يحدث للفن التراجيدى..حتى فى مجال منح الجوائز الدولية فى مهرجانات السينما والمسرح..فعلى الرغم من الأعتراف الشفهى بأهمية وقيمة الفن الكوميدى الا أن الواقع العملى يظهر عدم ميل الناقدين للفن الى تقدير من يعملون بهذا الحقل بالشكل الواجب.وهو ما يثير حالة من الأحباط فى نفس الفنان الكوميديان الذى يدرك أن دورا واحدا تراجيديا ينظر له باجلال وتقدير يغنى عن تراث كامل من الاداء الكوميدى الراقى الذى سيلقى قطعا اجحافا ونكرا من كل الجهات النقدية.لهذا نرى ندرة اليوم فى من يقبلون على صنع الكوميديا الحقيقية ولم يعد يعمل فى هذا المجال الى بقايا الأكابر وحشد من الأراذل ممن يشوهون صورة الفنان الكوميدى ويختصرونها الى مجرد بلياتشو..أو أراجوز مهمته الأضحاك فقط ولعل التجاهل الذى قوبل به فنان الكوميديا الأول شارلى شابلن والذى لم يحصل سوى على جائزة أوسكار تكريمية وأخرى على موسيقى أحد أفلامه ولم يحصل على جائزة واحدة عن التمثيل خير مثال لعملية التجاهل تلك..وتكرر نفس الأمر مع الثنائى لوريل وهاردى اللذان لم يحصلا على جائزة واحدة عن أى من أفلامهما
واذا كان هذا فى الماضى ففى الحاضر لم يتغير شىء فلا يزال الكل يتذكر كيف تجاهلت الأكاديمية الأمريكية لكتاب ونقاد السينما منح الممثل جيم كارى جائزة الأوسكار عن دوره المميز فى فيلم ترومان شو ليس لشىء سوى أن الدور فيه كثير من الكوميديا
أما عندنا فى مصر فنحن نكرم ممثلو الكوميديا لكن لا نمنحهم جوائز على ادائهم التمثيلى..وهذا ما حدث مع كبار رجال الكوميديا ونسائها فى السينما العربية ومن يراجع تاريخ ممثلين مثل اسماعيل يسين ونجيب الريحانى ومارى منيب سيتأكد من هذه الحقيقة المرة
ولعل عدم وجود التقدير الأدبى اللازم نحو الفن الكوميدى هو ما جعل الفنان العربى اليوم يتجه نحو الاداء التراجيدى ولا يمارس الفن الكوميدى الا بحثا عن المال وسرعة الانتشار وهو ما ولد لدينا تيارا من الأفلام المضحكة والمسفة فى نفس الوقت

الخميس، 29 أكتوبر 2009

حقيقة النقاب والأحتجاب فى الاسلام



قامت الدنيا ولم تقعد فى مصر فى الأيام الماضية على أثر قرار كل من شيخ الأزهر ووزير التعليم العالى بمنع الطالبات المنتقبات من لبس النقاب فى قاعات الدرس الخالية من الرجال وفى حجرات المدن الجامعية وفى قاعات الأمتحانات وان يكشفن وجوههن عندما يطلب
منهن ذلك بغرض التأكد من شخصيتهن
وقد اتسعت دائرة الجدل البيزنطى بعد صدور تلك القرارات حول مدى مشروعية النقاب وحكمه وهل هو فريضة كما تقول الوهابية أم أنه سنة أوعادة قديمة فقط..لهذا سنحاول هنا بايجاز أن نوضح حقائق هامة حول مسألة النقاب والتى ترتبط بدورها بمسألة الأحتجاب بوجه عام..وساستشهد بأقوال العلماء كى يتمطن الكل الى الرأى الذى سأعرضه
فى حقيقة الأمر ان مشكلة النقاب أنما حدثت وتحدث بسبب أن التيار والفكر الوهابى يرفض التسليم بقاعدة فقهية معروفة وهى " لا ينكر المختلف فيه وانما ينكر المتفق عليه" أى أن الحكم الشرعى الذى اتفق عليه جميع الفقهاء يكن أن يتم الأعتراض على من يخالفه ،أما الحكم الذى اختلف عليه بين العلماء لا يمكن ان ينكر المسلم على السلم فيه لأنه لا أفضلية فى رأى فقهى على أخر ولا لفقيه عالم على أخر
والنقاب مسألة خلافية: فالفقاء الثلاثة يقولون أن وجه المرأة ليس بعورة لا يجب سترها أما الأمام أحمد فله فى ذلك رأيين الأول من هذين الرأيين يوافق باقى الأئمة والرأى الثانى يرى جسد المرأة كله عورةوهو الرأى الذى أخذت به الوهابية وأصرت على تحريم كشف الوجه وحثت أتباعها على الأنكار على المخالفين لرأيها ضاربة بالقاعدة الفقهية السالفة عرض الحائط
والحقيقة ان الرأى الراجح عند جمهور العلماء أنما هو جواز كشف المرأة وجهها لأنه ليس بعورة وانما حرم المتأخرين من الفقهاء كشف الوجه خوفا من الفتنة وليس انه عورة..بالأضافة الى أن عددا كبيرا من الأحاديث الصحيحة تشير الى نفس الأمر فالأصل هو كشف المرأة وجهها وغض الرجال أبصارهم عنها..ولو ان جميع النساء تنقبن ما كان الأمر بغض البصر له معنى
وأنظروا التى هذا الحيث الذى ورد فى البخارى وكيف تصرف فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم):- عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: " نعم " وذلك في حجة الوداع. اهـ.


فالرسول لم يطلب منها أن تستر وجهها وانما حول وجه الفضل بن العباس رضى الله عنه عنها. وقد يقول البعض أنها كشفت وجهها فى الحج فقط وأنها تستره فى غير الحج والرد على هذا أنها لو أرادت أن تستره لفعلت مثل السيدة عائشة التى كانت فى الحج تستر وجهها أمام الرجال فاذا مروا كشفته "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه"..لكن المرأة الخثعمية المذكورة فى الحديث لم تفعل ذلك لأنها تعرف الفرق  بينها وبين نساء الرسول. كذلك فقد ورد حديث مشهور فى سنن أبى داود (وأن كان البعض يضعفه)حول ما يجب :(24):أن يظهر من المرأة


عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه
ومن الشواهد التى تقوى هذا الحديث حديث أخر تظهر فيه أمرأة كاشفة وجهها أمام الرسول والرجال فى المجلس:عن جابر بن عبد الله قال "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يارسول الله؟، قال: "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير"، قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن"، ا هـ. هذا لفظ مسلم في صحيحه.

 وبالطبع هذه الأدلة وغيرها لها أدلة تقابلها ممن يقولون بوجوب ارتداء المرأة للنقاب.. غير أن المشكلة أن هؤلاء يرفضون قبول فكرة الأختلاف ويصرون على الطعن فى ايمان واخلاص وعمل المرأة المسلمة التى تكشف وجهها..بل ويحاولون أن يوهموا الناس أن المرأة فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت منعزلة عن الرجل وهذا قطعا غير صحيح فمن العديد من الأحاديث يمكننا أن ندرك أن المرأة لم تكن محتجبة عن الرجال فى هذا الزمن وأنما كانت تخالطهم والأدلة على ذلك كثيرة فبالاضافة للأحاديث سابقة الذكر والتى وضح منها أجتماع الرجال والنساء فى مجلس واحد هناك حديث اخر يؤكد نفس الحالة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ ، فَقُلْنَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَضُمُّ أَوْ يَضِيفُ " ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَا ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُنَا لِلصِّبْيَانِ ، فَقَالَ : هِيِّئِي طَعَامَكِ ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ، وَنُوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا الْعَشَاءَ ، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا ، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصِلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهُ كَأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لَقَدْ ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعْلِكُمَا
فالمرأة فى ذلك الزمن كانت تواكل الضيف أى تجلس مع زوجها لتأكل مع الضيف ..وقد يقول هوات التضعيف ان الحديث السابق ضعيف( وأن كان لا ينفى وجود هذه العادة الأجتماعية) فهناك رواية أخرى حدثت فى زمن عمر بن الخطاب وقت خلافته مع زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب :روى الطبري أنه (جاء رسول من الأقاليم ليقابل عمرَ فدعاه إلى الغداء في بيته فدخل فنادى زوجته "يا أم كلثوم .. غداءنا" فأخرجت إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق قال: يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا؟ قالت : إني أسمع عندك حس رجل ولا أراه من أهل البلد . قال : نعم، قالت: لو أردت أن أخرج إلى الضيف لكسوتني كما كسا الزبير امرأته وكما كسا طلحة امرأته، فقال لها: أما يكفيك أن يقال: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر؟ قالت ما يغنيني ذلك شيئا . فقال للضيف: كل فلو كانت راضية لأطعمتنا أطيب من هذا) تاريخ الطبري ج 5ص 2716.

ومعنى هذا ان المرأة لم تكن محتجبة عن الرجال ولا كانت جميع النساء منتقبات كما يهوى الوهابيون أن يصوروا لكم عصر الرسول صلى الله عليه وسلم..والصحيح أن المرأة كانت تشارك الرجل فى كل شىء..وأن صحابة رسول الله كانوا وكن يعرفون الفرق بين "الأختلاط" المباح  وبين" الخلوة"  المحرمة..وأنا انصح الكل بقرأة الكتاب العظيم للدكتور/أحمد شوقى الفنجرى حول موضوع الأختلاط لنعرف كيف كانت المرأة المسلمة تشارك الرجل المسلم فى كل المواقف بداية من المنزل ورعاية الأسرة وحتى الحرب والضرب وحمل السيف..وتذكروا أن الفكر الوهابى المعادى لكل صور التحضر لو طبق لما استطاعت امرأة أن تكون قاضية أو محامية أومذيعة..وكأن الوهابية تسعى لتأكيد نفس ما تسعى اليه التيارات الغربية المناهضة للأسلام وهو الزعم بأن الاسلام دين يحصر دور المرأة فى البيت وأن المرأة فى ظل الاسلام فى مرتبة أقل من الرجل .ولا أجد ما أختم به حديثى هذا بغير فتوى دار الأفتاء المصرية والتى جائتنى ردا على سؤالى لتالى
السؤال:




ذكر لي غير واحد أن النقاب هو الزي الاسلامى الشرعى مؤكدين كلامهم بأية من سورة الأحزاب فما مدى صحة هذا الكلام؟ ملحوظة:أرجو الحاق الفتوى بالادلة الشرعية من الكتاب والسنة الشريفة وجزاكم الله خيرا.

الأجابة
اتفق العلماء أن الزي الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة يلزم أن تتوفر فيه ثلاثة شروط:
الأول: أن لا يصف مفاتن الجسد.

الثاني: ألا يشف عما تحته .

الثالث: أن يكون ساترًا .

ثم بعد ذلك اختلفوا فيما الذي يجب ستره من جسد المرأة، وما الذي يجوز كشفه، فرأى بعض متأخري الشافعية والحنابلة وجوب ستر جميع بدن المرأة بما في ذلك وجهها وكفيها -وهو المنقول عن أبي بكر بن عبد الرحمن التابعي- وفرقوا بين عورة النظر وعورة الصلاة.

قال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في كشاف القناع : "( وهما ) أي : الكفان ( والوجه ) من الحرة البالغة ( عورة خارجها ) أي : الصلاة ( باعتبار النظر , كبقية بدنها )" اهـ، ونحوه في حاشية العلامة البجيرمي علي الخطيب

وذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو مذهب الأوزاعي وأبو ثور من مجتهدي السلف، وقول في مذهب أحمد إلى أن عورة المرأة المسلمة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، فيجوز لها كشفهما.

قال الإمام الميرغناني الحنفي في الهداية: "وبدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها" اهـ.

وقال الشيخ الدردير في الشرح الكبير من كتب المالكية: "(و) هي –أي العورة- من حرة( مع ) رجل (أجنبي) مسلم ( غير الوجه والكفين ) من جميع جسدها" اهـ.

وجاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: " ( وعورة الحرة في الصلاة وعند الأجنبي ) ولو خارجها ( جميع بدنها إلا الوجه , والكفين )" اهـ.

وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: "الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة . وعليه الأصحاب .. وفي الكفين روايتان" اهـ.

واستدل الجمهور على دعواه بأدلة كثيرة ، منها:

- قوله تعالى: )ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها( [النور: 31]، قال ابن عباس: وجهها وكفيها

- ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"، ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما

- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها -وجاء في بعض الروايات: "وكانت امرأة حسناء"- وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم" . ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه الصلاة والسلام على كشفه بحضرة الناس , ولأمرها أن تسبل عليه من فوق , ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء.

- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه".

- ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة .

فبان مما سبق قوة مذهب الجمهور وظهور أدلته ، وأن تغطية وجه المرأة من المسائل التي اختلفت فيها أنظار العلماء، وأنه فضيلة لا فريضة، فمن غطته كانت مأجورة ومن كشفته لم تكن مأزورة، وأنه لا إنكار على من سترته أو من كشفته، والله تعالى أعلم.


الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

الوهابية تغزو الأزهر


جرت العادة أن يكون أتباع الفكر الوهابى فى مصر من غير الأزهريين..وهم فى الغالب مممن تلقوا دراسة مدنية (غير دينية) ثم رحلوا الى المملكة العربية السعودية وحصلوا على ما يسمى " الاجازة" وهى تعادل الشهادة الدراسية هنا الا أنها تكون بشكل ودى(غير رسمى) حيث يلزم الطالب منهم أى شيخ مشهور هناك عدد من السنوات حتى يرى هذا الشيخ أن الطالب قد حصل قدرا معقولا من علم ما فيعطيه اجازة فى هذا العلم( والذى يكون فى الغالب فى علم من علوم الحديث).ثم يعود هذا الطالب الى مصر بعد أن صار شيخا ليمارس جميع أعمال العلماء من تدريس وشرح وخطابة وفتية ومنح اجازات لأخرين ..وهكذا دواليك.
فمثلا الشيخ محمد حسان حاصل على بكالوريوس الاعلام من جامعة القاهرة..ولم يحصل على أى شهادة أزهرية فى أى علم من العلوم الشرعية ..فقط التحق بمعهد الدراسات الأسلامية التابع لجامعة القاهرة ولم يكمل دراسته فيه( بالمناسبة هذا المعهد متاح لكل حاصل على شهادة عليا أى كان تخصصه)..ثم سافر الى المملكة العربية السعودية وحصل على الاجازة المذكورة وعاد الى مصر.
وهو نفس الامر الذى تكرر مع الدعاية الشهير الشيخ محمد حسين يعقوب والحاصل على دبلوم المعلمين عام 1967 ثم سافر الى المملكة عدت مرات وحصل على عدت اجازات من كبار شيوخ الوهابية هناك . نفس الامر نجده يتكرر مع الداعية الشهير "وجدى غنيم" والشيخ "أبو اسحاق الحوينى" فالأول خريج كلية التجارة ولم يكمل دراسته الدينية وظل يجاهد للحصول على درجة علمية فى العلوم الشرعية فلم يوفق فى النهاية الا على الحصول على شهادة من أحد الجامعات الأمريكية المتخصصة فى الدراسات الدينية، والثانى خريج كلية الألسن قسم اللغة الاسبانية.ولم يلتحق بالأزهر فى أى يوم من الأيام وعمل على الحصول على مجموعة من الاجازات من عدد من الشيوخ خارج الأطار الرسمى..وقد زاع صيته بين التيارات السلفية فى مصر بوصفه خليفة الشيخ " محمد ناصر الدين الألبانى"فى علوم الحديث

وأنا شخصيا لا أفهم كيف يتم فى زمن الجامعات الكبرى منح شهادات أو اجازات خارج الأطار القانوى والشرعى (هكذا بين الأستاذ والتلميذ مباشرة) دون ان يلتحق الطالب بالدراسة داخل الكلية ..وكيف لو حدث هذا أن يكون الموضوع قيد الدراسة بهذه الحساسية والخطورة واقصد بذلك العلوم الشرعية. فلو عرف أحد منا ان الطبيب الذى سيجرى له العملية الجراحية غير حاصل على شهادة جامعية فى الطب ( حتى ولو كان حصل من العلم ما يحصله الخريج من كلية الطب)لرفض ان يدخل غرفة العمليات حرصا على حياته..وأنا اتسائل أأرواحنا أغلى عندنا من ديننا الذى هو عصمة أمرنا.
غير أن الخطورة الأكبر فى هذا الأمر أن زيوع صيت الافكار الوهابية والشيوخ الوهابيين قد شجع البعض من دارسى العلوم الشرعية بالأزهر على قبول هذا الفكر والدفاع عنه..ويمكنكم أن تراجعوا خطب وفتاوى الدكتور عبد الله بدر وهو من ابناء الأزهر ممن يناصرون الفكر الوهابى المتشدد..أو ترعجوا فتاوى ما تسمى بجبهة علماء الأزهر وهى جمعية اهلية تضم أشد الأزهريين تشددا ووهابية..ولا هدف لها منذ انشائها الا الطعن فى ايمان علماء الأزهر ممن لا يناصرون الفكر الوهابى..ووصفهم بالفسق والابتداع بل وأحيانا الكفر.
لهذا احذر من شيوع نموذج الأزهرى الوهابى الذى يروج للفقه البدوى من تحت عمامة الأزهر الشريف مستغلا انسياق العامة لعلماء الأزهر وتصديقهم لما يقولونه..ولكم أن تتخيلوا حجم الضجة والجلبة التى يصنعها انصار الفكر الوهابى فى مصر والحرب التى يشنونها على كل ابناء الأزهر من العلماء الأجلاء اذا ما رفض أحد منهم رأيا قاله أحد الوهابيون..ولكم فى موضوع النقاب وما طال شيخ الأزهر من سباب وتطاول  وصل الى حد أن أحد مشايخ الوهابية فى مصر ممن تشيخوا على كبر قد وصم شيخ الأزهر بالجهل..أو موضوع الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة وما طال الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية  من هجوم وتعدى و قد وصفه الشيخ الحوينى ب"الكذوب" وأنه "بصمجى" أى لا يفقه شيئا فى علوم الحديث لمجرد أنه انتقد الشيخ الألبانى رحمه الله، مع العلم أن الدكتور على جمعة مسند ويحفظ العديد من الأسانيد سماعا عن كبار محدثى الأمة(يمكنك زيارة هذا الرابط لمراجعة سيرة فضيلة المفتى).. بالاضافة الى مهاجمة الوهابيون  لرجال الأزهر فهم يهاجمون بعضهم البعض ويصمون بعضهم بالجهل وضعف العلم وهو ما يعنى أن مصر مقبلة على سنوات صعبة أرجو الا تنقلب فيها بلدنا الى افغانستان أخرى.

الأحد، 4 أكتوبر 2009

الوهابية وفتاواهم الكوميدية





استكمالا لماكتبناه عن الأجتهادات الوهابية فى مجال الفتية والتى أخرجت لنا مجموعة متنوعة من الفتاواة الغريبة ..بل والمضحكة أحيانا؛ أعرض لكم هنا بعض تلك الفتاوى كى يظهر لكم كم القصور والضعف الموجود عند الوهابيين فى مسائل الفتوى والأجتهاد وهو ما يجعلهم بعيدى كل البعد عن أن يكونوا هم المرجع المعول عليه فى فهم الدين الاسلامى الصحيح.


(*) ولنبدأ بفتاويهم الغريبة فى تحريم "الشطرنج"..هل تصدقون ذلك ..نعم والغريب أنهم يحرمونه أما بأحديث ضعيفة أو لأنه يجعل الأنسان يضيع وقته.. هكذا,ونسوا أن الأصل فى الاشياء الأباحة أما التحريم فيكون بنص صحيح.أنظروا كيف أجاب الشيخ "ابن جبرين" على هذه الأسئلة:

حكم لعب الشطرنج
رقم الفتوى
(11659)
موضوع الفتوى
حكم لعب الشطرنج
السؤال
س: ما حكم من يلعب الشطرنج بدون أي خسارة مادية على الطرفين ؟
الاجابـــة
نرى أنه لا يجوز؛ لأنه مُجرد لهو وباطل وإضاعة للوقت وليس فيه فائدةٌ إلا مجرد الضحك واللهو واللعب، وما أشبه ذلك، والله أعلم. قاله وأملاه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 9 \ 8 \ 1421 هـ




وهذا على أعتبار أن الضحك واللهو واللعب حرام..!!!


واليكم فتوى أخرى للشيخ ابن جبرين فى نفس الموضوع:

حكم لعب الشطرنج
رقم الفتوى
(9473)
موضوع الفتوى
حكم لعب الشطرنج
السؤال
س: ما حكم لعب الشطرنج إذا كان لا يلهي عن عبادة الله، ولا يؤدي إلى مفسدة؟

الاجابـــة
لا يجوز هذا اللعب؛ لأنه من اللهو الذي عاب الله به الدنيا بقوله:
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وقوله: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا وذلك أنه إضاعة للوقت الثمين الذي يجب حفظه واستغلاله في الأعمال الصالحة، والإنسان يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، ولا شك أنه يؤدي إلى مفسدة وهي: ضياع الوقت في غير الطاعة. والله أعلم. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين


أما الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقد ساوى بين لعب الورق(على مال أو بدون) وبين لعب الشطرنج فى الحرمة وهكم فتواه:

هل يجوز لعب الورق (البلوت)؟ وما حكم لعب الشطرنج، مع العلم أنهما لا يلهيان عن الصلاة؟[1]

لا تجوز هاتان اللعبتان وما أشبههما؛ لكونهما من آلات اللهو، ولما فيهما من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وإضاعة الأوقات في غير حق، ولما قد تفضي إليه من الشحناء والعداء، هذا إذا كانت هذه اللعبة ليس فيها عوض.أما إن كان فيها عوض مالي، فإن التحريم يكون أشد؛ لأنها بذلك تكون من أنواع القمار الذي لا شك في تحريمه، ولا خلاف فيه. والله ولي التوفيق.

وأنا فى غنى عن الأشارة الى أن الأخوة الوهابيين قد حرموا الشطرنج ايضا بسبب أنه "أصنام"..والدليل أن الأمام على مر على قوم فوجدهم يلعبونها فقال لهم :"ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون"..!!


وهكم فتوى مماثلة بهذا لمعنى للشيخ ابن عثيميين ايضا:

هل يجوز لعب الشطرنج تحت الشروط الآتية ليس باستمرار بل في بعض الأحيان مع عدم التلفظ بالكلمات البذيئة أثناء اللعب وعدم تضييع أوقات الصلوات المفروضة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن اللعب بالشطرنج محرم.أولاً لأنه لا يخلو غالباً من صورة تمثاليه مجسمة ومعلوم أن اصطحاب الصور محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتاًَ فيه صورة). وثانياً لأنه غالباً يلهي كثيراً عن ذكر الله عز وجل وما ألهى كثيراً عن ذكر الله عز وجل فإنه يكون حراماً لقول الله تعالى في بيان حكمة تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في قوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) ولأن الغالب في اللاعبين بهذه اللعبة التنازع والتنافر و الكلمات النابية التي لا ينبغي أن تقع من مسلم لأخيه ولأن حصر الذهن على هذا النوع من الذكاء يستلزم أن ينحصر تفكير الإنسان وذكاؤه في هذا النوع من الأنواع ويكون فيما عداه بليداً كما حدثني بذلك من أثق به قال إن المنهمكين في لعب الشطرنج نجدهم إذا خرجوا عن ميادينه مما يتطلب ذكاء وفطنة أبله الناس وأغفلهم فلهذه الأسباب كان لعبة الشطرنج حراماً هذا إذا سلمت مما ذكره السائل وسلمت من الميسر وهو جعل عوض على المغلوب فإن اقترنت بما ذكره السائل أو جعل فيها ميسر وهو العوض على المغلوب صارت أخبث وأشر.والله الموفق

(مجموع فتاوي بن عثيمين)


لحظوا السائل المسكين وهو يحاول ان يتجنب فى سؤاله كل ما يمكن أن يجعل المفتى يحرم الشطرنج لأنه يعرف ان الأصل عند الوهابية قد أصبح هو التحريم..ولا حول ولا قوة الا بالله.
وأخيرا أقدم لكم النص الكامل لفتوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوى فى بطلان تحريم الشطرنج:


الشطرنج
:هومن الألعاب العقلية المعروفة عالميا، والمتوارثة تاريخيا: لعبة (الشطرنج). وقد ظهرت في عصر الصحابة، واختلف في شأنها الفقهاء ما بين محرم وكاره ومبيح، ومفصِّل.متي ظهر الشطرنج في الحياة الإسلامية ؟الشطرنج ـ بكسر الشين وقد تفتح ـ لعبة تلعب على رقعة ذات أربعة وستين مربعًا، وتمثل دولتين متحاربتين باثنتين وثلاثين قطعة، تمثل الملكين والوزيرين والخيالة والقلاع والفيلة والجنود ... (هندية).هذا ما عرفها به "المعجم الوسيط".وقد اتفق العلماء من فقهاء ومفسرين ومحدثين وشراح على أنها لم تعرف عند العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفوها بعد الفتح[1]، فقد نقلوها عن الفرس الذين كانوا قد نقلوها عن الهنود.

قيمة الأحاديث الواردة فيه ونظرًا؛ لأنه لم يكن في عصر النبوة لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث في شأنه، وإن رويت فيه أحاديث من نوع "إن لله عز وجل في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس لصاحب الشاه (الشاه بالفارسية هو: الملك. ومعروف في الشطرنج أن اللعبة تنتهي إذا قضي أحد الخصمين على ملك الآخر). منها نصيب" رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وحكم الألباني بوضعه في "الإرواء" رقم "2671".ومثله ما رواه الديلمي عن ابن عباس رفعه: "ألا إن أصحاب الشاه في النار: الذين يقولون: قتلت والله شاهك"[2].وعن أنس مرفوعا: "ملعون من لعب بالشطرنج"[3].وعن علي مرفوعا: "يأتي على الناس زمان يلعبون بها، ولا يلعب بها إلا كل جبار، والجبار في النار"[4].قال الحافظ ابن كثير: والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء، ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة.[5]ومن هنا لم يستدل أحد من الأئمة الذين ذهبوا إلى تحريمه بشيء من هذه الأحاديث، ولو كان لها قيمة علمية عندهم لاستندوا إليها، إنما استدل بها بعض المتأخرين.وقال الإمام أحمد رغم تشديده فيه: أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه[6]، يعني أنه لم يثبت فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي أن قول علي نفسه غير ثابت عنه.
سبب الاختلاف في حكمه: ولعدم وجود نص شرعي في شأن لعبة الشطرنج يبين الحكم، ويحسم الأمر، اختلف الفقهاء في حكمه، ما بين مبيح له، وكاره، ومحرم، كمعظم المسائل التي لا توجد فيها نصوص بينة ملزمة، وهذا من فضل الله على الناس، ولطفه بهم، وتيسيره عليهم، أن سكت عن أشياء، رحمة بهم غير نسيان (وما كان ربك نسيًا) مريم: 64. قال العلامة ابن حجر الهيثمي في شرحه لمنهاج النووي، في شأن الأحاديث المحكية في ذم الشطرنج: (قال الحافظ: لم يثبت منها شيء من طريق صحيح ولا حسن. وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة، ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم.قال: وممن كان يلعبه غبًّا: سعيد بن جبير رضي الله عنه[7]. ومعنى غبًّا أي قليلاً.وقد نقل الحافظ البيهقي في سننه عن الإمام الشافعي، بعد أن ذكر قبول شهادة أهل الأهواء على ما في أقوالهم من بعد عن الصواب في نظره قال: (قال الشافعي): وإذا كانوا هكذا ـ يعني أهل الأهواء ـ فاللاعب بالشطرنج وإن كرهنا له، وبالحمام وإن كرهنا له: أخف حالا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر. وإنما قال ذلك لما فيه أيضا من اختلاف العلماء.ونقل البيهقي عن الشافعي قوله: لعب سعيد بن جبير بالشطرنج من وراء ظهره، فيقول: بإيش دفع كذا؟ قال: بكذا قال: أدفع بكذا.وكذلك قال الشافعي: كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدبارا.ونقل بسنده عن معمر قال: بلغني أن الشعبي كان يلعب الشطرنج ويلبس ملحفة ويرخي شعره، وذلك أنه كان متواريا من الحجاج.وروى بسنده عن معقل بن مالك الباهلي قال: خرجت من المسجد الجامع فإذا رجل قد قربت إليه دابة فسأل رجل: ما كان الحسن يقول في الشطرنج؟ فقال: كان لا يرى بها بأسا، وكان يكره النردشير. فقلت: من هذا؟ فقالوا: ابن عون، وكان مضبب الأسنان بالذهب.ونقل بسنده عن أحمد بن بشير قال: أتيت البصرة في طلب الحديث فأتيت بهز بن حكيم، فوجدته مع قوم يلعب بالشطرنج.وروى عن الرمادي قال: سمعت سفيان يقول: رأيت إبراهيم الهجري وكان يلعب بالشطرنج. قال البيهقي: فجعل الشافعي اللعب بالشطرنج من المسائل المختلف فيها في أنه لا يوجب رد الشهادة. فأما كراهية اللعب بها فقد صرح بها فيما قدمنا ذكره، وهو الأشبه والأولى بمذهبه، فالذين كرهوا أكثر، ومعهم من يحتج بقوله وبالله التوفيق.وروى البيهقي بسنده عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: الشطرنج هو ميسر الأعاجم. قال: هذا مرسل ولكن له شواهد.كما روى عنه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون).وروى عنه أيضا أنه مر بمجلس من مجالس تيم الله، وهم يلعبون بالشطرنج، فوقف عليهم فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، أما والله لولا أن تكون سنة لضربت بها وجوهكم.قلت ( القرضاوي ): ولو كان حراما لضرب بها وجوههم ولم يبال.وروى عن مالك قال: الشطرنج من النرد، بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها. وهذا بلاغ غير موصول السند عن ابن عباس.وروى عن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج فقال: هو شر من النرد.وروى البيهقي بسنده أن أبا موسى الأشعري قال: لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ.وعن عبيد الله بن جعفر قال: كانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكره الكبل وإن لم يقامر عليها، وأبو سعيد الخدري يكره أن يلعب بالشطرنج.أقول: وهذه الأسانيد عن الصحابة لا تخلو من كلام.وعن صالح بن أبي يزيد قال: سألت ابن المسيب عن الشطرنج، فقال: هي باطل ولا يحب الله الباطل.وعن ابن شهاب أنه سئل عن لعب الشطرنج فقال: هي من الباطل ولا أحبها. وسئل مرة فقال: هي من الباطل والله لا يحب الباطل.وسئل أبو جعفر عن الشطرنج فقال: دعونا من هذه المجوسية.قال البيهقي: وروينا في كراهية اللعب بها عن يزيد بن بن حبيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي ومالك بن أنس.[8]

مذهب الحنفية في اللعب بالشطرنج:قد رأينا أن الشطرنج لم يثبت فيه نص شرعي يمنعه، وأن الصحابة والتابعين اختلفوا فيه، وأن الأصل في الأشياء والتصرفات الإباحة، ولهذا كان في المذاهب الأربعة من قال بالإباحة، ومن قال بالكراهة، ومن قال بالتحريم، تبعا للزاوية التي ينظر منها، والملحظ الذي يستند إليه.ومن هنا وجدنا في المذهب الحنفي قول الإمام أبي يوسف أكبر أصحاب أبي حنيفة بإباحته، ورأينا القول المعتمد في المذهب هو الكراهية، ما لم يخرجه عنها إلى التحريم سبب، كما سيأتي. وهذا واضح في المتون المعتمدة في المذهب، مثل: (الهداية) و(الكنز) و(المختار) و(تنوير الأبصار) وغيرها، وكذلك في شروحها المعروفة.فهذه المتون وشروحها تعرضت للعب الشطرنج في كتاب "الشهادات" عند الحديث عمن لا تقبل شهادته، وأحيانًا في كتاب "الكراهية" أو "الحظر والإباحة" على اختلاف التسميات عند الحنفية.وقد أجمعت هذه المتون على أن الذي يقامر بالشطرنج، هو الذي تسقط عدالته، وترد شهادته؛ لأنه ارتكب حرامًا، بل كبيرة، لدخول الميسر ـ وهو القمار ـ في اللعب، والميسر قرين الخمر، في كتاب الله تعالى.وبعضهم أضاف إلى المقامرة أمورًا أخرى، كل واحد منها كافٍ لإسقاط عدالته، كأن تفوته بسبب الاشتغال به الصلاة، أو يكثر من الأيمان الكاذبة عليه، أو يلعب به في الطريق لمخالفته للمروءة، أو يذكر عليه فسقًا، أو يدمنه ويداوم عليه[9]. قال في "الهداية": (فأما مجرد اللعب بالشطرنج فليس بفسق مانع من الشهادة؛ لأن للاجتهاد فيه مساغًا)[10]. ولما قرن متن "الكنز" بين النرد والشطرنج في أن من يقامر بهما أو تفوته بسببهما الصلاة ترد شهادته، قال شارحه ابن نجيم في "البحر": (ظاهر تقييده بما ذكر: استواء النرد والشطرنج، وليس كذلك فإن اللعب بالنرد مبطل للعدالة مطلقًا، كما في "العناية" وغيرها، للإجماع على حرمته، بخلاف الشطرنج؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا؛ لقول مالك والشافعي بإباحته، وهو مروي عن أبي يوسف، كما في "المجتبى" من الحظر والإباحة، واختارها ابن الشحنة إذا كان لإحضار الذهن، واختار أبو زيد الحكيم حله، ذكره شمس الأئمة السرخسي.[11]
مذهب الشافعية في الشطرنج: ومذهب الشافعية أكثر تيسيرًا في حكمه، كما هو مشهور عنهم، وكما ذكره البيهقي وغيره.قال الإمام النووي في "الروضة": (اللعب بالشطرنج مكروه: وقيل: مباح لا كراهة فيه. ومال الحليمي إلى تحريمه، واختاره الروياني. والصحيح الأول)[12] يعني الكراهة، والظاهر: أنها الكراهة التنزيهية، فهذا هو المتبادر عند الشافعية.وهذا ما نص عليه في "المنهاج" أيضًا حيث قال: (ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح،[13] ويكره بشطرنج). قال في "التحفة": (ونازع البلقيني في كراهته بأن قول الشافعي: لا أحبه، لا يقتضيها)[14]. وقال النووي في الروضة بعد أن صحح القول بالكراهة: (فإن اقترن به قمار أو فحش أو إخراج صلاة عن وقتها عمدًا، ردت شهادته بذلك المقارن ـ أي لا باللعب نفسه ـ وإنما يكون قمارًا إذا شرط المال من الجانبين، فإن أخرج أحدهما ليبذله إن غُلِب، ويمسكه إن غلب، فليس بقمار، ولا ترد به شهادته، ولكنه عقد مسابقة على غير آلة قتال، فلا يصح، ولو لم تخرج الصلاة عن الوقت عمدًا، ولكن شغله اللعب به حتي خرج، وهو غافل، فإن لم يتكرر ذلك منه لم ترد شهادته، وإن كثر منه فسق، وردت شهادته، بخلاف ما إذا تركها ناسيًا مرارا؛ لأنه هنا شغل نفسه بما فاتت به الصلاة. هكذا ذكروه، وفيه إشكال، لما فيه من تعصية[15] الغافل اللاهي، ثم قياسه الطرد في شغل النفس بغيره من المباحات).[16] والأولى أن نذكر هنا كلمة الشافعي بنصها من "الأم" قال رضي الله عنه: (يكره ـ من وجه الخبر ـ اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخف من النرد، ويكره اللعب بالحزة والقرق، وكل ما للعب الناس؛ لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة، ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته، والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر بها يلعبون بها، إن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى تفوته، ثم يعود له حتى تفوته، رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة، كما نردها لو كان جالسًا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل)[17].
مذهب مالك في اللعب بالشطرنج: وفي مذهب مالك نجد الإمام ابن رشد "الجد" ينقل عن العتيبية" في "البيان والتحصيل": (سئل مالك عن اللعب بالشطرنج فقال: لا خير فيه وليس بشيء وهو من الباطل، واللعب كله من الباطل، لينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب والسن عن الباطل، وقد قال عمر بن الخطاب لأسلم في شيء: أما آن أن تنهاك لحيتك هذه ؟ قال أسلم: فمكثت زمانًا طويلاً وأنا أظن أن ستنهاني).[18]وسئل مالك أيضًا عن الرجل يلعب مع امرأته في البيت بالأربعة عشر، قال: ما يعجبني ذلك، وليس من شأن المؤمن اللعب، لقول الله تبارك وتعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) يونس: 32.وعلق على ذلك ابن رشد فقال: (الأربعة عشر قطع معروفة كان يلعب بها كالنرد، وهو النردشير الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله"[19] و"من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير"[20]. وكذلك الشطرنج له حكمه، وقد قال فيه الليث بن سعد: إنه شر من النرد، فاللعب بشيء من ذلك كله على سبيل القمار والخطر لا يحل ولا يجوز بإجماع من العلماء؛ لأنه من الميسر الذي قال الله فيه: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة:93. وأما اللعب بشيء من ذلك كله على غير وجه القمار فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسوله" فعم ولم يخص قمارًا من غيره. فمن أدمن اللعب بشيء من ذلك كله كان قدحًا في إمامته وشهادته، وقد كان عبد الله بن عمر إذا رأى أحدًا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها. وبلغ عائشة رضي الله عنها: أن أهل بيت في دارها كانوا سكانًا فيها عندهم النرد، فأرسلت إليهم: "لئن لم تخرجوه لأخرجنكم من داري" وأنكرت ذلك عليهم، ذكر ذلك مالك في موطئه.قال: ولا فرق في ذلك كله بين لعب الرجل به مع أجنبي في بيته أو في غير بيته، وبين لعبه به مع أهله في بيته. إن كان على الخِطار (المخاطرة) والقمار، فذلك حرام بإجماع، وإن كان على غير القمار فهو من المكروه الذي تسقط شهادة من أدمن اللعب به، وهو الذي قال مالك فيه في هذه الرواية: ما يعجبني ذلك، وليس من شأن المؤمن اللعب، لقول الله تبارك وتعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) فهذا من الباطل، وبالله تعالى التوفيق).[21]وكلمة "الباطل" لا تعني أنه حرام، بل تعني أنه من اللهو واللعب، وليس كل لهو ولعب حرامًا، وإن قال بذلك بعض المالكية، وأخذا من كلام مالك[22]، وهو لا يفيد ذلك.كيف وهو يقول عن الشطرنج: لا خير فيه، وليس بشيء، ولا يعجبني، وأنه لا يليق بذي اللحية والشيب والسن، وهذا كله لا يدل على أكثر من الكراهية التنزيهية.
مذهب الحنابلة: وأما مذهب الحنابلة، فيعبر عنه الإمام ابن قدامة في "المغني" فيقول: (كل لعب فيه قمار فهو محرم، أي لعب كان، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه، ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته، وما خلا من القمار ـ وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما ـ فمنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح، فأما المحرم فاللعب بالنرد، وهذا قول أبي حنيفة، وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: هو مكروه غير محرم.واستدل ابن قدامة لمذهبه بالحديثين اللذين ذكرهما ابن رشد وذكرناهما من قبل.قال: (إذا ثبت هذا، فمن تكرر منه اللعب به لم تقبل شهادته، سواء لعب به قمارًا أو غير قمار، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وظاهر مذهب الشافعي.فأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم، إلا أن النرد آكد منه في التحريم؛ لورود النص في تحريمه، لكن هذا في معناه، فيثبت فيه حكمه، قياسًا عليه.وذكر القاضي حسين، ممن ذهب إلى تحريمه: علي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والقاسم، وسالمًا، وعروة، ومحمد بن علي بن الحسين، ومطرا الوراق، ومالكًا، وقول أبي حنيفة.وذهب الشافعي إلى إباحته، وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، واحتجوا بأن الأصل الإباحة، ولم يرد بتحريمها نص، ولا هي في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الإباحة، ويفارق الشطرنج النرد من وجهين: أحدهما: أن في الشطرنج تدبير الحرب، فأشبه اللعب بالحراب، والرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل.والثاني: أن المعول في النرد على ما يخرجه الكعبتان، فأشبه الأزلام والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره، فأشبه المسابقة بالسهام.ولنا قول الله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) المائدة:90. قال علي رضي الله عنه: الشطرنج من الميسر.ومرّ علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) الأنبياء:52 . قال أحمد: أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه.وروى واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس لصاحب الشاه فيها نصيب" رواه أبو بكر بإسناده؛ ولأنه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، فأشبه اللعب بالنرد.وقولهم: لا نص فيها، قد ذكرنا فيها نصًا، وهي أيضًا في معنى النرد المنصوص على تحريمه، وقولهم: إن فيها تدبير الحرب، قلنا: لا يقصد هذا منها، وأكثر اللاعبين بها إنما يقصدون منها اللعب أو القمار، وقولهم: إن المعول فيها على تدبيره، فهو أبلغ في اشتغاله بها وصدها عن ذكر الله والصلاة.إذا ثبت هذا؛ فقال أحمد: النرد أشد من الشطرنج، وإنما قال ذلك لورود النص في النرد، والإجماع على تحريمه[23]، بخلاف الشطرنج، وإذا ثبت تحريمه فقال القاضي: هو كالنرد ترد الشهادة به، وهذا قول مالك وأبي حنيفة[24]؛ لأنه محرم مثله.وقال أبو بكر: إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد في حقه، وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته، إلا أن يشغله عن الصلاة في أوقاتها، أو يخرجه إلى الحلف الكاذب، ونحوه من المحرمات، أو يلعب بها على الطريق، أو يفعل في لعبه ما يستخف به من أجله، ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة، وهذا مذهب الشافعي، وذلك لأنه مختلف فيه، فأشبه سائر المختلف فيه)[25].

مناقشة أدلة القائلين بتحريم الشطرنج: تلك هي مذاهب الأئمة، وأقوال الفقهاء، في حكم الشطرنج، وهي تختلف ما بين الإباحة بشروط والكراهة، والتحريم. وإذا نظرنا إلى ما استند إليه الذين شددوا ومالوا إلى التحريم، نجد أدلتهم تتركز فيما يلي: 1ـ قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) . وقول علي: "الشطرنج من الميسر".2ـ ما ورد من أحاديث في ذم الشطرنج والوعيد عليه، ولعن أهله، مثل ما ذكره ابن قدامة في "المغني"، وما ذكرناه من قبل مما رواه ابن أبي الدنيا والديلمي وغيرهما.3ـ ما ورد في النهي عن "النرد" أو "النردشير" مثل: أ ـ حديث أبي موسى: "من لعب النردشير فقد عصى الله ورسوله".[26]ب ـ وكذلك حديث بريدة: "من لعب النردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه". [27]والنردشير هو: النرد. فارسي معرب. وشير معناه: حلو.قالوا: وقد انعقد الإجماع على تحريم النرد، قامر به، أو لم يقامر.4ـ حديث: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه وملاعبته أهله، فإنهن من الحق".[28]والشطرنج خارج عن هذه الثلاثة، فهو باطل، والباطل حرام.5ـ ما جاء عن الصحابة أنهم أنكروه، ومنه ما روي أن عليًا رضي الله عنه مر على قوم يلعبون الشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) !.6ـ القياس على النرد، فكلاهما لهو ولعب، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، بل ذهب بعضهم إلى أن الشطرنج شر من النرد في هذا؛ لأنه يشغل فكر صاحبه وقلبه أكثر مما يشغله النرد.
مناقشة أدلة المحرمين: والمتأمل في هذه الأدلة التي اعتمد عليها القائلون بتحريم الشطرنج، يجد أن شيئًا منها لا يثبت للنقد، ولا يمكن أن يعتمد عليه في التحريم الذي ينبغي الاحتياط فيه، حتى لا نحرم ما أحل الله.آية سورة المائدة: فأما الاستدلال بأية سورة المائدة التي دلت على تحريم الخمر والميسر، فلا نزاع في أن الميسر محرم كالخمر، وفيه إثم كبير بنص القرآن، فهو من الكبائر، وليس مجرد حرام.ولكن أين الدليل على أن الشطرنج من الميسر ؟سيقولون: قول علي: إنه من الميسر، وسيأتي أن هذا القول عن علي لم يثبت.على أنه لو سلمنا بثبوته لحمل على أنه من الميسر إذا لعب على قمار، لا لمجرد اللهو والتسلية.أحاديث ذم الشطرنج والوعيد عليه:أما أحاديث ذم الشطرنج والوعيد الشديد عليه، ولعن فاعله .. إلخ، فقد بين الأئمة من نقاد الحديث: أن شيئًا منها لم يثبت، ولم يقل إمام من أئمة الحديث بصحة حديث واحد منها، ولا بحسنه، وقد نقلنا قول الإمام أحمد، وقول ابن كثير وغيرهما.وشيخ الإسلام ابن تيمية رغم تشدده جدًا في أمر الشطرنج، لم يستدل بحديث واحد منها، إنما اعتمد على أنه يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة.أحاديث تحريم النرد: فأما الأحاديث التي استنبط منها بعضهم تحريم النرد، فنحن نسلم بها في الجملة، وإن كان الحديث الأول عن أبي موسى في سنده انقطاع، وقد روي موقوفًا من قوله، كما ذكر ابن كثير في تفسير آية: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ...) وله شاهد لم يسلم من مقال، ولهذا قال الشيخ الألباني في تخريج أحاديث منار السبيل: لا بأس به في الشواهد والمتابعات "حديث 2670". والصحيح هنا حديث بريدة عند مسلم: "فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه" وغمس اليد في لحم الخنزير مقدمة إلى أكله، وفيه إشارة إلى التحريم، كما قال الشوكاني؛ لأن التلوث بالنجاسات من المحرمات؛[29] وقول الشوكاني: فيه إشارة إلى التحريم، يعني: أنه ليس صريحا في التحريم.والمذاهب الأربعة وجمهور العلماء مجمعون على تحريم النرد، قال الشوكاني: (وقد كرهها عامة الصحابة، وروي أنه رخص فيها ابن المسيب وابن مغفل على غير قمار).[30] بل روي أن من الصحابة والتابعين من أباحها صراحة.وكلام الإمام الشافعي الذي نقلناه من قبل لا يدل على تحريمه. وقد صرح بعض الشافعية بكراهته فقط. وهو الذي أميل إليه لعموم البلوى.و على كل حال فتحريم النرد هو الراجح عند الجمهور، وأنا لا أنازع الآن فيه، ولكن الذي أنازع فيه أن يقال: الشطرنج هو النرد، أو هو منه.فالنرد لعبة معروفة من لعب الفرس، وقد نقلت إلى العرب قبل الإسلام، وعرفوها، ولهذا جاءت فيها أحاديث وآثار صحاح وحسان.وهو الذي يسمي (الزهر) ويطلق عليه في مصر "الطاولة" قال في المعجم الوسيط: النرد لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين، تعتمد على الحظ، وتنتقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفص: الزهر. وتعرف عند العامة بـ "الطاولة".أما الشطرنج، فهو لعبة أخرى أصلها من الهند، ونقلت إلى فارس، ولم يعرفها العرب إلا بعد الفتح.حديث: "كل ما يلهو به المسلم باطل .. ": أما حديث: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا .." فالباطل هنا ليس معناه الحرام كما قد يتوهم، وإنما الباطل ما ليس فيه فائدة دينية في ذاته، فهو أشبه بكلمة "اللغو".ولا ريب أن اشتغال المسلم بالحق وبالأمور النافعة أولى وأجدى، لما وصف به الله المؤمنين، بقوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) المؤمنون: 3. ولكن لا يعني هذا أن اللهو أو اللعب بغير الأمور الثلاثة المذكورة حرام؛ فقد لعب الحبشة[31] ورقصوا في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم العيد وهو ينظر إليهم ويشجعهم، وعائشة معه تنظر إليهم.وقد حث عليه الصلاة والسلام أن يكون مع العرس لهو، إشاعة للبهجة والفرح، حتى لا يكون عرسًا صامتًا. وشرع المصارعة والمسابقة على الأقدام كمسابقته لعائشة، كما سبّق بين الخيل، وأعطي السابق[32].وكلها خارج عن الثلاثة المذكورة.وفي هذا المعنى حديث آخر رواه النسائي في "كتاب عشرة النساء" والطبراني في "الكبير" عن جابر بن عبد الله، وجابر بن عمير الأنصاريين مرفوعًا بلفظ: "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لغو ولهو، أو سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة".[33]والنص هنا وضع كلمة "لغو ولهو" أو "سهو" موضع كلمة "باطل" في الحديث الآخر، مما يحدد المقصود بها، كما أضاف الحديث هنا إلى الثلاثة رابعًا، وهو "السباحة" مما يدل على أن الحصر في الثلاثة غير مراد.وقد جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه وهو من زهاد الصحابة ونُسَّاكهم: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل، ليكون أقوي لها على الحق[34].وواضح أن مراده بالباطل هنا هو: اللهو واللعب، فهو يستعين به على تنشيط نفسه للحق، بعد أن تأخذ شيئًا من الاستجمام والراحة، كما قال الشاعر:
والنفس تسأم إن تطاول جدها فاكشف سآمة جدها بمزاحوقال الإمام أبو حامد الغزالي في كتاب "السماع" من "إحيائه" في الرد على من احتجوا بالحديث المذكور على تحريم الغناء كله: (قوله: "باطل" لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة، وقد يسلم ذلك، على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة، وليس بحرام، بل يلحق بالمحصور غير المحصور، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث .." [35]فإنه يلحق به رابع وخامس. فكذلك ملاعبة امرأته لا فائدة له إلا التلذذ، وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين، وسماع أصوات الطيور وأنواع المداعبات، مما يلهو به الرجل لا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل).[36]وعلق الإمام الشوكاني على قول الإمام الغزالي: قوله (باطل) لا يدل على التحريم بل على عدم الفائدة: قال: وهو جواب صحيح، لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح.[37]وما قاله ابن حزم في الرد على من قال: الغناء ليس من الحق فهو إذن من الباطل، من أن الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوي. يقال هنا أيضًا.فمن نوى باللعب ترويح النفس واستجمامها، لتستطيع مواصلة السير على طريق الحق، واحتمال أعبائه وما أثقلها ! فهو محسن مأجور كما يؤجر في كل المباحات بنيته. ومن لم يقصد إلا الترويح والترفيه دون أن يخطر بباله الاستعانة على الطاعة، فقد أتى أمرًا مباحًا بشروطه.ما جاء عن الصحابة في ذمه: وأما ما جاء عن الصحابة، فليس فيها أثر متصل صحيح.وقد ذكر الحافظ السخاوي في كتابه: "عمدة المحتج في حكم الشطرنج": أن الإمام أحمد قال: أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه.وقول علي يحتمل قوله حين مر على لاعبي الشطرنج: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) ؟ ! ويحتمل ما رواه عنه جعفر بن محمد عن أبيه: الشطرنج من الميسر.والأول ليس له إسناد صحيح أو حسن متصل، كما بين ذلك العلامة الألباني في "إرواء الغليل" بأن هذا الأثر لا يثبت عن علي، وأن خير أسانيده منقطع.[38] وقال ابن حجر في الدراية: أخرجه العقيلي وابن حبان في ترجمة مطهر بن الهيثم وهو متروك، وفي رجاله متروكان مجهولان أيضا.[39]على أن هذا الأثر لو صح لا يفيد التحريم جزمًا، إنما يفيد مجرد الإنكار على الاشتغال بهذا اللهو، وإلا لو كان حرامًا ومنكرًا، لغيره بيده، فهو الإمام المسئول وبيده السلطة.وأما الأثر الثاني فقد نقل الشوكاني عن ابن كثير قوله: هو منقطع جيد[40]. ولا حجة في منقطع لو كان مرفوعًا، فكيف وهو موقوف ؟وقول الإمام أحمد: أصح ما في الشطرنج قول علي، لا يدل على أنه صحيح عنده، بل يعني أنه أحسن من غيره، وإن كان ضعيفًا في نفسه، كما بيّن ذلك المحققون في قولهم: أصح ما في الباب كذا، أي أقل ضعفًا.وما روي عن الصحابة في ذلك يعارض بعضه بعضًا، فقد روي عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد، وعائشة: أنهم كرهوه.ورويت إباحته عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأضيف إليهم من التابعين ابن سيرين وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومن بعدهم هشام بن عروة بن الزبير.[41]ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يجمعوا على أمر، فإنهم لا يجتمعون على ضلالة. وقد رأيناهم اختلفوا، وفي اختلافهم رحمة.ولم يثبت في الشطرنج بخصوصه حديث مرفوع بوجه، وقد ذكرنا من قبل قول الحافظ ابن كثير: (والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء، ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة).[42] القياس على النرد: وأما من احتج على تحريمه بقياسه على النرد باعتبار أن علة التحريم هي اللهو واللعب، أو باعتباره شرًا من النرد باعتبار العلة الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهو أبلغ من النرد في ذلك ـ فهذا غير مسلم؛ لأنه قياس مع الفارق؛ فقد فارق النرد ـ كما قالوا ـ بأن الشطرنج معتمده: الحساب الدقيق، والفكر الصحيح، ففيه تشحيذ الفكر، ونوع من التدبير، ومعتمد: النرد الحظ والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق. وقد قاسوا عليهما كل ما في معناهما من أنواع اللهو، فكل ما معتمده الحساب والفكر لا يحرم، وكل ما معتمده التخمين يحرم[43]. فالمُعَوّل في النرد على ما يخرجه الفصان، فأشبه الأزلام. والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره، فأشبه المسابقة بالسهام.كما أضافوا إلى ذلك: أنه يعين على تدبير الحرب، وإدراك المعارك، فأشبه اللعب بالحراب، والرمي بالنشاب، والمسابقة بالخيل.وهذا في الحقيقة غير مسلَّم؛ فليس هناك ارتباط بين إتقان لعبة الشطرنج وإتقان فن الحرب، وإدارة رحى القتال، وأمهر اللاعبين للشطرنج ربما لا يدري في فن الحرب شيئًا ! وحسبنا الفرق الأول، وهو ـ عند الأكثرين ـ مؤثر وكاف؛ وإن بالغوا في تصوير (النرد) بأن معتمده الحظ وحده؛ إذ الواقع أن فيه مجالا غير قليل للعقل والتفكير، ولذا نجد الأذكياء يتبارون في هذه اللعبة ( الطاولة) ويقضون معها الساعات الطوال، فهي من هذا الوجه تشبه الشطرنج.والقول بأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة غير مُسلّم أيضًا، ما دام من يقول بإباحته يقيدها بشرط ألا يشغله عن الصلاة، أو أي واجب آخر ديني أو دنيوي.وكثير من المباحات إذا استرسل الإنسان فيها، وخصوصًا المحببة منها إلى النفس، تشغل وتلهي عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الواجبات، إذا لم يكن المسلم نير البصيرة، قوي الإرادة، ولكن هذا لا يجعلها محظورة بإطلاق، بل تباح بقيد عدم الإسراف فيها والاشتغال بها عما أوجب الله عليه.فلو أن مسلمًا كان في إجازة ولديه فراغ وقت، فخصص للعب به وقتًا معينًا ليس فيه صلاة مفروضة كوقت الضحى ـ من التاسعة إلى الحادية عشرة مثلا ـ لم يكن في ذلك منع ولا تحريم، لا سيما أن بعض الناس يشتغل بها عن الغيبة والقيل والقال، مما يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب.وكم تأتي على الإنسان ظروف لا يجد فيها ما يشغل فراغه، إلا مثل هذا النوع من اللهو. وقد جربنا هذا في بعض الأوقات العصيبة، التي مرت بنا في المعتقلات "سنة 1954-1956م"؛ فقد أُخذت منا الكتب والأوراق والأقلام ثم أخذت المصاحف، ولم يبق معنا شيء نشغل وقتنا به، وهو يمضي بطيئًا ثقيلاً، فكل يوم كأنه شهر أو دهر، وبخاصة من كان له زوجة أو أولاد تركهم ولا يدري عنهم شيئًا، كما لا يدرون عنه شيئًا، فبأي شيء يشتغل هؤلاء المحبوسون المظلومون ؟لا يمكن أن تكلف الناس أن يظلوا صباحهم ومساءهم: مسبحين مهللين مكبرين؛ فالنفس البشرية لها طاقة، و (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) .ولهذا لجأ إخواننا ـ داخل زنازين السجن الحربي ـ إلى عمل أحجار الشطرنج من قطع الصابون الرديء الذي يصرف لنا، واتخذوا منه وسيلة لتمضية الوقت عندما سمحت الأوضاع بذلك، فقد كان مثل هذا أيضًا من الممنوعات؛ لأن كل ما يريح أنفس المعتقلين أو يسليهم فالأصل فيه هو المنع والحظر، والمطلوب هو التكدير والتنغيص الدائم.وأعتقد أن مثل هذه الظروف هي التي جعلت بعض التابعين مثل سعيد بن جبير والشعبي يلعبون بها، في فترة تواريهم عن الحجاج، بعد معركة "دير الجماجم" 82 هـ التي اشترك فيها الفقهاء مع القائد عبد الرحمن بن الأشعث ضد ظلم الحجاج وجبروته.ففي هذه الفترة حيث لا يستطيع العالم الفقيه أن يتصدى للتعليم والفتيا والإرشاد لتواريه عن الأعين، وليس معه كتبه ومراجعه، لا بأس أن يلهو بمثل الشطرنج، حتى يكشف الله الغمة.خلاصة القول: الإباحة بشروط:

وخلاصة القول الذي انتهى إليه البحث والنظر في الأقوال، والأدلة، هو الترجيح أن يكون الأصل في حكم الشطرنج هو الإباحة بالقيود والشروط التي ذكرها الشافعية والحنفية في كتبهم، وهي: 1ـ ألا يلعب بقمار، وإلا كان حرامًا، بل من الكبائر باتفاق.2ـ ألا يُلهي عن ذكر الله وعن الصلاة، أو أي واجب ناجز من أمور الدين والدنيا. فإن القرآن علل النهي عن الخمر والميسر بالصد عن ذكر الله وعن الصلاة. فدل على وجوب مراعاة هذا الأمر.3ـ أن يمتنع من سيء القول ورديء الكلام كالسب والشتم، وكثرة الحلف الذي يحدث كثيرًا بين اللاعبين.4ـ ألا يلعب به على الطريق، لما فيه من الإخلال بالمروءة، وعدم رعاية حق الطريق.5ـ ألا يكثر منه بحيث يصل إلى درجة الإدمان، الذي يشبه - إلى حد ما- إدمان تناول المسكرات، وغيرها من المخدرات.وبعبارة أخرى موجزة: ألا يؤدي إلى ترك واجب أو يستلزم فعل محرم، أو يخرج به عن حدود الاعتدال إلى الإسراف والإدمان، فإن الله لا يحب المسرفين.

ويسرني أن أختم هنا بكلمة مشرقة للعلامة رشيد رضا قرأتها أخيرًا في تفسير المنار. قال رحمه الله: (إن اللعب بالشطرنج إذا كان على مال دخل في عموم الميسر، وكان محرمًا بالنص كما تقدم، وإذا لم يكن كذلك فلا وجه للقول بتحريمه، قياسًا على الخمر والميسر، إلا إذا تحقق فيه كونه رجسًا من عمل الشيطان، موقعًا في العداوة والبغضاء، صادًّا عن ذكر الله وعن الصلاة، بأن كان هذا شأن من يلعب به دائمًا أو في الغالب. ولا سبيل إلى إثبات هذا، وإننا نعرف من لاعبي الشطرنج من يحافظون على صلواتهم، وينزهون أنفسهم عن اللجاج والحلف الباطل. وأما الغفلة عن الله تعالى فليست من لوازم الشطرنج وحده، بل كل لعب وكل عمل فهو يشغل صاحبه في أثنائه عن الذكر والفكر فيما عداه إلا قليلاً، ومن ذلك ما هو مباح وما هو مستحب أو واجب. كلعب الخيل والسلاح والأعمال الصناعية التي تعد من فروض الكفايات، ومما ورد النص فيه من اللعب: لعب الحبشة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- بحضرته، وإنما عيب الشطرنج أنه من أشد الألعاب إغراء بإضاعة الوقت الطويل، ولعل الشافعي كرهه لأجل هذا، ونحمد الله الذي عافانا من اللعب به وبغيره، كما نحمده حمدًا كثيرًا أن عافانا من الجرأة على التحريم والتحليل، بغير حجة ولا دليل).[44]

هوامش


_________________________





[1]ذكر ذلك الحافظ الحجة ابن كثير في "إرشاده" كما في نيل الأوطار (8/259) ط دار المعرفة ـ بيروت. [2]رواه الديلمي في " الفردوس " (1/173).[3]رواه الديلمي في " الفردوس " (4/126) عن أنس، وحكم الألباني عليه بالوضع في السلسلة الضعيفة برقم (1145).[4]رواه الديلمي في " الفردوس " (5/440). عن علي مرفوعا .[5]ذكر هذه الأحاديث وتعقيب ابن كثير العلامة الشوكاني في: "نيل الأوطار" (8/259). [6]انظر: نيل الأوطار للشوكاني (8/259).[7]تحفة المحتاج في شرح المنهاج، وحواشي الشرواني وابن قاسم عليها (10/217).[8] السنن الكبرى للبيهقي (10/211-213) وقد ذكر من قبل عن محمد بن سيرين إباحتها.[9]انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (4/383) ط بيروت- مصورة عن ط بولاق.[10]الهداية مع فتح القدير (6/38).[11]البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7/91).[12]الروضة (11/225) ط المكتب الإسلامي.[13]إنما قال: علي الصحيح لأنه في وجه آخر: أنه مكروه كما في الروضة ص 226.[14]التحفة مع حواشيها (10/216، 217).[15]أي الحكم بأنه عاص؛ لأنه حينئذ غير معذور بغفلته ونسيانه، وقد أجاب الإمام الشافعي في الأم عن هذا الاستشكال بقوله: فإن قيل: فهو لا يترك وقتها للعب إلا وهو ناس ! قيل: فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، فإن عاد له وقد جربه أنه يورثه ذلك، فذلك استخفاف. (الأم 6/213 ط. الشعب القاهرة) . قال في التحفة: وحاصله أن الغفلة نشأت من تعاطيه للفعل الذي من شأنه أن يلهي عن ذلك، فكان كالمتعمد لتفويته. ويجري ذلك في كل لهو ولعب مكروه، ومشغل -أي شاغل- للنفس ومؤثر فيها تأثيرًا يستولي عليها، حتي تشتغل به عن مصالحها الأخروية؛ بل يمكن أن يقال ذلك في شغل بكل مباح؛ لأنه كما يجب تعاطي مقدمات الواجب، يجب تعاطي ترك مفوتاته، والكلام فيمن جرب نفسه أن اشتغاله بذلك المباح يلهيه حتى يفوت به الوقـــت. أ هـ. التحفة 10/217).[16]الروضة (11/226).[17](الأم 6/213 ط الشعب).[18]البيان والتحصيل (18/436).[19]تقدم تخريجه.[20]تقدم تخريجه.[21]البيان والتحصيل (17/577، 578).[22]انظر: الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوي عليه.[23] قد ثبت الخلاف في تحريمه، كما هو مذكور في موضعه.[24]قد نقلنا أقوال المذهبين من قبل.[25]المغني (9/172، 173) المطبعة اليوسفية. [26]الحديث أخرجه مالك في الموطأ (2/958/6) وأحمد في المسند (23025،22979) وأبو داود (4938)، وابن ماجة (3762)، والحاكم 1/50 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. كما رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 6529) .[27]رواه مسلم في كتاب الشعر برقم (2260) وأبو داود (4939) وابن ماجه (3763) .[28]رواه الترمذي (1637) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وهو مرسل، وفيه عنعنة ابن إسحاق، لكنه روى عن عتبة بن عامر مثله، وإن لم يذكر لفظه، وقال: حسن صحيح، وهو عند أبي داود (2513) والنسائي في الجهاد، وابن ماجه (2811) ووصفه العراقي في تخريج الإحياء بأنه مضطرب، وذكره الألباني في ضعيف الترمذي(2779 ).[29]نيل الأوطار (8/258) ط. دار المعرفة، بيروت.[30]نفسه ص 259.[31] سبق تخريجه .[32] سبق تخريج هذه الأحاديث .[33]وجوّد المنذري في: "الترغيب" إسناده بعد أن عزاه للطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجال الطبراني رجال الصحيح، خلا عبد الوهاب بن بخت، وهو ثقة ( 6/ 269 ) وذكره الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة (315). [34] سير أعلام النبلاء (5/ 4241) .[35] متفق عليه كما في اللؤلؤ والمرجان ( 1091) رواه البخاري في الديات ( 6878 ) ومسلم في القسامة والمحاربين ( 1676 ) عن ابن مسعود .[36]إحياء علوم الدين (2/285) ط دار المعرفة- بيروت، وانظر ما نقلناه عنه حول ذلك في فتوى "الغناء". [37]نيل الأوطار (8/270).[38]إرواء الغليل (8/288، 289) حديث (2672). [39] انظر: الدراية لابن حجر ( 2/ 240).[40]نيل الأوطار (8/259)[41]المصدر السابق.[42] المصدر السابق نفسه .[43] انظر: تحفة المحتاج شرح المنهاج لابن حجر وحواشي الشرواني وابن قاسم عليه (10/216)[44]تفسير المنار (8/62، 63).



(*) ننتقل الأن الى الموضوع الثانى وهو حكم التصوير الفوتوغرافى أو الضوئى أو الديجيتال الأن..حيث حرمه الوهابيون أشد التحريم أو ظهوره وكان هذا هو الرأى الأصح عندهم ..حيث طبقوا عليه ما ورد فى أحاديث الرسول عن حرمة التصوير(ولا أعلم كيف فعلوا ذلك فمن المعروف أن الاحايث الوارة فى تحريم التصوير كان يقصد بها النحت وصنع التماثيل والتى رأى الأمام "محمد عبده" منذ مائة عام أن القصد منها تحريم صنع التماثيل اذا كان الغرض منها أن تعبد من دون الله..أما لو لم تكن لهذا الغرض فهى جائزة..أما أن يعتقد أن التصوير الفوتوغرافى أو الديجيتال حرام لأنه التصوير المنهى عنه فى السنة النبوية فهذا ما لم أفهمه أبدا).واليكم رد "الشيخ ابن باز "على سؤال حول حكم التصوير الفوتوغرافى:


حكم التصوير الفوتوغرافي
ما رأيكم فيمن يقول: إن التصوير الفوتوغرافي للإنسان جائز أما التصوير الذي يكون برسم اليد فهو الحرام ؟
التصوير لا يجوز لا باليد ولا بغير اليد التصوير كله منكر والرسول عليه الصلاة والسلام لعن المصورين وقال صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون))[2] وقال: ((كل مصور في النار))[3] والمصور: يعذب بكل صورة صورها لنفسه في نار جهنم.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صورة في قرام لعائشة قبضه ومزقه وقال: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم)) فالواجب على كل مسلم أن يحذر التصوير وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا ولعن موكله ولعن المصور ولعن الواشمة والمستوشمة يعني الحذر من هذا فآكل الربا والواشمة وتصوير ذوات الأرواح كتصوير حمام أو دجاج أو بعير أو إنسان أو عصفور أو غيره كل هذا فيه روح لا يجوز تصويره لا في الأوراق ولا في الخرق ولا في الخشب ولا في غيره ولا مجسم كذلك لا يجوز.

ومع تطور الحياة المعاصرة ومع استحالة العيش فى هذا الزمان بدون استعمال الات التصوير بجميع أنواعها ..ادرك الوهابيون أن فتاوى من هذا النوع لا تصلح الا لرعاة الشاة فى البادية فبدأوا يغيرون فتاواهم من التحريم المطلق الى الجواز عند الضرورة فقط

واليكم نص فتوى احدث للشيخ" عبد الرحمن ابن جبرين" تبيح التصوير فى أضيق الحدود وعند الحاجة..وتفوح منها رائحة التحريم:



رقم الفتوى
(12398)
موضوع الفتوى
في التصوير الفوتوغرافي والتكسب منه
السؤال
س: ما حكم التصوير الفوتوغرافي حيث إنني أملك محلا للتصوير الفوتوغرافي، ونقوم بتصوير الأشخاص صور مقاسات مختلفة للاستعمال الرسمي أو للذكرى، وأكثر زبائننا من الرجال، ولا نصور النساء إلا في وجود محرم، ولا نقبل تصوير ما يخدش الحياء، ونظرًا لأن هذا الأستوديو هو مصدر الدخل الرئيسي والوحيد ليس لي فحسب ولكن لأكثر من عشرين رب أسرة من العاملين معي من المسلمين وغير المسلمين، كما نتبرع من دخل المحل للجمعيات الخيرية وذوي الحاجة ونساهم في بناء المساجد. ولأن الموضوع يتعلق بلقمة العيش ومصدر الرزق فإنني أناشدكم بالله الاهتمام بهذه الفتوى، وأن تفتونا الفتوى الصحيحة التي يطمئن لها قلبكم وتثلج صدورنا وتريحها مما هي فيه من عناء ؟
الاجابـــة
هذا النوع من التصوير قد منعه مشائخنا الأولون لدخوله في مسمى التصوير الذي وردت فيه الأحاديث الكثيرة في منعه والوعيد عليه، وصنف في ذلك كثير من المشائخ كالشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ حمود التويجري وكان التصوير في ذلك الوقت يحتاج إلى عمليات كالالتقاط والتحميض ونحو ذلك، ثم إن بعض المشائخ ممن بعدهم أباحوا هذا النوع؛ وذلك لأنه لا يُقصد به مُضاهاة خلق الله، كما لا يُقصد به تعظيم هذه الصور، ولا يَؤول ذلك إلى عبادتها، وعللوا بأن هذا إنما فيه التقاط الصورة التي هي هيكل الإنسان أو الحيوان وإثبات تلك الصورة ورسمها على ما هي عليه دون أن يُقصد بذلك أن يخلقوا كخلق الله، فلذلك أباحوا هذا العمل لما فيه من الفائدة كما في بطاقات الأحوال وجوازات الأسفار وشهادات الدراسة ونحو ذلك مما تمس إليه الحاجة.
فلعله بهذه المُبررات يكون جائزًا ولا يدخل في ضمن ما ورد فيه الوعيد، وتُحمل الأحاديث على ما ذُكر في بعضها كقوله في الحديث القُدسي: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا بُرة، أو ليخلقوا شعيرة وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضاهئون بخلق الله فتبين أن الوعيد على من يريد مُضاهاة خلق الله، أو أن السبب في المنع خوف تعظيم الصور كما فعل قوم نوح حيث صوروا أولئك الصالحين ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فإذا قُصد من تلك الصور الحاجة المُلحة فلا بأس بذلك ويكون هذا بحسب نية من يطلب الصورة، أما من يصنعها فلا يلزمه سؤال كل أحد بل يجوز له التصوير حسب طلب الزبائن من الرجال، ولا يجوز تصوير النساء إلا بوجود محرم، ويتولى تصوير المرأة امرأة مثلها، ولا يجوز نشر صور النساء ولا إظهارهن في الحفلات وما أشبه ذلك. والله أعلم . قاله وأملاه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 2 \ 12 \ 1421 هـ
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

وفى النهاية أنقل لكم نص الفتوى الهامة بجواز التصوير الفوتوغرافى مالم يكن لشىء حرام او بغرض نشر الرذيلة والفساد..والفتوى تناقش ادلة المحرمين وتظهر الفرق بين كلمة التصوير الواردة فى النصوص الشرعية وتلك التى تشير الى عمل الكاميرا اليوم:


حكم التصوير الفوتوغرافي - دار الإفتاء المصرية
الموضوع: حكم التصوير الفوتوغرافي - دار الإفتاء المصرية
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية التاريخ: 19/8/2007


مبنى التشريع الإسلامي قائم على قاعدة رفع الحرج ويسر التكاليف، والمجتهد هو مَن يدقق النظر ويبحث ويحقق ويتأمل ويوازن -بعد استيفائه أدوات الاجتهاد-، فالاجتهاد والتجديد لا يعنيان الاتجاه إلى التحريم لمجرد الظواهر، والقول بالحلِّ فيما لا يوجد فيه نصٌّ مُحَرِّم أولى من القول بالمنع أو الحظر؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة.وقد كثُر الكلام حول حكم الصور الفوتوغرافية بين قائل بالحِلّ وقائل بالحرمة، والصواب أن الحكم على التصوير المعاصر بالإباحة أو التحريم لا يترتَّب على كونه يُسمَّى تصويرًا بل يترتَّب على فهم حقيقته أولا؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. وهذا بحث في تحرير المسألة ونصرة القول بالجواز، مع عرض رأي القائلين بالمنع، ومناقشته مناقشة علمية، كما تقتضيه آداب البحث.

معنى التصوير والصورة في اللغة والنصوص الشرعية

أولا: معنى التصوير والصورة في اللغة:قال صاحب تاج العروس: " الصُّورة - بالضم - الشكل والهيئة والحقيقة والصفة، ج: صُوَرٌ –بضم، ففتح- وصِوَرٌ كـ"عِنَب"، قال شيخنا: وهو قليلٌ كذا ذكره بعضهم. قلت: وفي الصحاح: والصِّورُ بكسر الصاد لغةً في الصُّوَرِ جمع صُورَة".ثم قال: "وتُستعمل الصُّورةُ بمعنى النوع والصفة، ومنه الحديث: أتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي فِي أحْسَنِ صُورَةٍ ([1])".ثم قال: " وقال المصنف -يعني الفيروزآبادي صاحب القاموس- في البصائر: الصُّورَةُ ما ينـتقش به الأعيان، وتتميَّزُ بها عن غيرها، وذلك ضَرْبان: ضَرْبٌ محسوس يُدركُه الخاصَّة والعامَّة، كصُورَةِ الإنسان والفرس والحِمار. والثاني: معقولٌ يُدرِكه الخاصَّةُ دونَ العامَّة، كالصُّورَةِ التي اختُصَّ الإنسانُ بها من العقل، والروية، والمعاني التي مُيِّزَ بها. وإلى الصورتين أشار تعالى بقوله: {وَصَوَّرَكُمْ فأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64] {فِي أيِّ صُورَة مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشاءُ} [آل عمران: 6]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِه" ([2]). أراد بها ما خصَّ الإنسان به من الهيئة المُدْرَكَة بالبصر والبصيرة، وبها فضَّله على كثير من خَلْقِه".ثم قال: "والصُّورَةُ: الوَجْهُ، ومنه حديث ابن مُقَرِّن: "أما عَلِمتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمةٌ" ([3])، والمراد المنع من اللطم على الوَجْه، والحديث الآخر: "كرِهَ أَن تُعْلَمَ الصُّورَةُ" ([4]) أي يُجْعَلَ في الوَجْه كَيٌّ أَو سِمَةٌ. وتَصَوَّرْتُ الشيء: توهَّمْت صُورَتَه، فتَصَوَّرَ لي. والتصاويرُ: التَّمَاثيلُ"([5]).وقال الفيومي في المصباح المنير: "(ص و ر): الصُّورة: التمثال، وجمعها: صُوَر، مثل: غُرْفَة وغُرَف، وتَصَوَّرتُ الشيءَ، مثَّلت صورتَه وشكلَه في الذِّهن، فتصوَّر هو. وقد تُطلَق الصورةُ ويراد بها الصِّفة، كقولهم: صورةُ الأَمْر كذا، أي: صفتُه، ومنه قولهم: صورةُ المسألة كذا، أي: صفتُها" ([6]).فالصورة تطلق على شكل الشيء، وهيئته، وحقيقته، وصفته، ونوعه، وتطلق على: الوجه، وتطلق على: الهيئة والصفة التي توهمها المرء للشيء في ذهنه، كما تطلق على: التمثال ([7]).والتصوير: هو إعطاء الشيء شكله وهيئته ووصفه ونوعه.

ثانيًا: معنى التصوير والصورة في النصوص الشرعية:معنى التصوير والصورة في القرآن:1- قول الله تعالى: {هو الذي يُصَوِّرُكُمْ في الأرحامِ كَيفَ يَشاءُ} [آل عمران: 6]. قال الإمام الرازي: "أما قوله: {هو الذي يُصَوِّرُكُمْ} [آل عمران: 6] قال الواحدي: التصوير جعل الشيء على صورة، والصورة: هيئة حاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه، وأصله من صاره يصوره إذا أماله، فهي صورة؛ لأنها مائلة إلى شكل أبويه" ([8]).ويقول العلامة الألوسي: "والتصوير: جعل الشيء على صورة لم يكن عليها، والصورة: هيئة يكون عليها الشيء بالتأليف" ([9]).2- قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11].قال العلامة الطاهر بن عاشور: "والتصوير: جعل الشيء صورة، والصورة: الشكل الذي يشكَّل به الجسم، كما يشكَّل الطين بصورة نوع من الأنواع.وعُطِفَت جملة {صَوَّرناكم} بحرف (ثم) الدَّالة على تراخي رتبة التصوير عن رتبة الخلق؛ لأن التصوير حالة كمال في الخلق؛ بأن كان الإنسان على الصورة الإنسانية المتقنة حسنًا وشرفًا، بما فيها من مشاعر الإدراك والتدبير، سواء أكان التصوير مقارنًا للخلق كما في خلق آدم، أم كان بعد الخلق بمدَّة، كما في تصوير الأجنَّة من عظام ولحم وعصب وعروق ومشاعر" ([10]).3- قول الله تعالى: {هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ} [الحشر: 24].قال الإمام القرطبي: "والمصور: مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما ([11]). ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل، وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلَق: جعله عَلَقَةً، ثم مُضْغَةً، ثم جعله صُورةً، وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميَّز عن غيره بسمتها، فتبارك الله أحسن الخالقين " ([12]).فيتلخَّص مما سبق أن التصوير في القرآن جاء بمعنى: جعل الشيء صورة، وبمعنى التخطيط والتشكيل الذي يكون به للشيء صورة وهيئة يتميَّز بها عن غيره. والصورة جاءت بمعنى: الهيئة الحاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه، أو الشكل الذي يتشكَّل به الجسم أو الهيئة التي يعرف بها الشيء ويتميَّز بها عن غيره.معنى التصوير والصورة في السنة ([13]):1- أخرج البخاري عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله عنهم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ ولا تَصَاوِيرُ" ([14]).قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "قال الخطَّابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه، أو لم يمتهن" ([15]). وفي رواية أخرجها أبو داود بسنده: " لا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ولا كَلْبٌ ولا جُنُبٌ" ([16]). وقال العلامة السهارنفوري في بذل المجهود عند شرحه للحديث: "المراد بالصورة: صورة حيوان إن كان معلَّقًا على حائط، أو ثوب ملبوس، أو عمامة، أو نحو ذلك، مما لا يعد ممتهنًا، بخلاف ما كان في بساط يداس، أو مخدة أو وسادة، أو نحوها مما يمتهن، فلا تمنع دخول الملائكة" ([17]). 2- وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ" ([18]).قال ابن حجر: "استُدل به على جواز تصوير ما لا روح فيه من شجر أو شمس أو قمر، ونقل أبو محمد الجويني وجهًا بالمنع؛ لأن مِن الكفار مَن عَبَدها" ([19]).ومعنى هذا أنه يطلب إليه أن يجعل فيها حياة حقيقية، وهذا التكليف إنما هو للتعجيز والتقريع ([20]). 3- وجاءت الصورة بمعنى (التمثال) في حديث وَهْب بن مُنَبِّه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء من مكة أن يأتيَ الكعبة فيمحو كلَّ صورة فيها فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى مُحِيَت كل صورة فيها ([21]).قال العلامة السهارنفوري في شرحه: "أي: كل تمثال على صورة نبي أو ملك من الملائكة أو نحو ذلك، مما كان نقشًا في حائط أو له جِرم أو غير ذلك مما فيه الروح" ([22]).وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها في باب "ما وطئ من التصاوير" أنها قالت: "وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي علَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ " ([23]). فقال ابن حجر في شرحه للحديث: "قوله: "فيها تماثيل": بمثناة ثم مثلثة جمع تمثال: وهو الشيء المصوَّر، أعم من أن يكون شاخصًا أو يكون نقشًا أو دهانًا أو نسجًا في ثوب، وفي رواية بُكَير بن الأشج عن عبد الرحمن بن القاسم عند مسلم أنها نصبت سترًا فيه تصاوير" ([24]).4- وجاءت الصورة بمعنى (الوجه) في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه كره أن تُعلَمَ الصورة، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم أن تُضرَب، تابعه قتيبة حدثنا العنقزِي عن حنظلة وقال: تُضرب الصورة ([25]).قال في فتح الباري: "والمراد بالصورة: الوجه" ([26]).5- وجاءت الصورة بمعنى (الصِّفَة) في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " ([27]). قال ابن حجر في فتح الباري: "اختُلف إلى ماذا يعود الضمير، فقيل: إلى آدم، أي: خلقه على صورته التي استمر عليها، إلى أن أُهبط وإلى أن مات، دفعًا لتوهم مَن يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى..." إلى أن قال: " والمراد بالصورة: الصفة، والمعنى: أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك. وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء" ([28]).وقال في بيان قوله عليه الصلاة والسلام: "فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ" ([29]): "أي: على صفته" ([30]).6- وجاءت الصورة بمعنى مثال الهيئة منطبعًا على خرقة حرير. روى الترمذي عن أبي مُلَيْكَة عن عائشة رضي الله عنها: "أن جبريل جاء بصورتها في خِرْقَة حريرٍ خضراءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة" ([31]).قال في تحفة الأحوذي: "قوله: "إن جبرائيل جاء" أي: في المنام " بصورتها"، أي: بصورة عائشة، والباء للتعدية "في خرقة حرير" الخِرْقة -بكسر المعجمة، وسكون الراء-: القطعة من الثوب. ووقع عند الآجري من وجه آخر عن عائشة: (لقد نزل جبرئيل بصورتي في راحته، حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني). ويُجمع بين رواية الترمذي وبين هذه الرواية بأن المراد: أن صورتها كانت في خرقة، والخرقة في راحته" ([32]).فالمراد بالصورة: صورة ما فيه روح سواء أكان شخصًا له ظل أم نقشًا أم دهانًا أم نسجًا في ثوب، وأنها في متناول نصوص النهي ما دامت على صفة يمكن أن يعيش الحي بها، أما إذا قطع رأسها أو حلَّت أوصالها مثلا فلا تتناولها نصوص النهي.ويرخص في اتخاذها إن كان على صفة فيها استهانة كأن تكون على وسادة أو بساط يداس أو آنية تستعمل فلا.ووردت الصورة بمعنى الوجه وبمعنى الصفة والشكل والهيئة. وجاءت كلمة صوَّر: بمعنى صنع صورة الشيء.

حكم التصوير الفوتوغرافي التصوير الفوتوغرافي أو الضوئي المعاصر: هو فن تسجيل المرئيات وتثبيتها عن طريق الآلة المعروفة، فهو يسجل الأشخاص والأغراض والأماكن والحوادث، فيُمكِّن الإنسان من الاحتفاظ بما رأى، وأن يوثقه ويستمتع به بصورة مستمرة، وأن يعود إليه كلما أراد ([33]).وآلة التصوير أشبه بعين صناعية، ونظام التصوير فيها يشبه -إلى حد ما- نظام الرؤية في العين، فإن الآلة ترى الأشياء وتحتفظ بما رأت لتمكِّنك من النظر إليه كلما أردت ذلك.فالتصوير الضوئي لا يتجاوز كونه حبس العكس كالمرآة، فالأجسام ينعكس نورها على المرآة فيظهر عكس شكلها ([34])، فما يجري في آلة التصوير فهو انعكاس ([35]). فالانعكاس أو العكس يعني: استقبال الجسم المصقول (المرآة ونحوها) للنور المنعكس عليه عن الجسم المقابل له، مما يجعل شكل الجسم يظهر عليه، وبمقدار شدة صقل وصفاء هذا الجسم العاكس تكون دقة حكايته لشكل الجسم المقابل له، فآلة التصوير أشبه بالمرآة؛ إذ تستقبل النور المنعكس عليها عن الأجسام المقابلة لها من خلال عدستها ليسقط على الفلم، ولكن أثر الأجسام المنعكسة على المرآة سرعان ما يزول بعد تحولها عن مقابلة هذه الأجسام، أو تحول الأجسام عن مقابلتها، فلو أن أحد الناس اخترع زرٍّا يضغط عليه عند الوقوف أمام المرآة ليُثَبِّت صورتَه ويحبسها في مكانها ثم يغادرها وقد انطبعت الصورة في المرآة لما ساغ لأحد أن يقول هذا حرام، وإلا حرُم النظر في المرآة ([36])؛ لأنه يحرم النظر لما لا يحل، بينما يثبت الأثر على الفلم في آلة التصوير، فهي بذلك لا تختلف عن المرآة إلا من حيث ثبوت أثر المشهد المنعكس عليها، والذي يظهره العمل الكيميائي المسمى بـ(التحميض). وإذا صح اعتبار الوقوف أمام المرآة وظهور هيئتنا على صفحتها تصويرًا يدخل ضمن دائرة التصوير الذي وردت بحقه النصوص الشرعية، صح اعتبار انعكاس شكلنا على الفلم من خلال ما يسمى بآلة التصوير تصويرًا بالمعنى نفسه.ومن المعلوم أن الوقوف أمام المرآة لا يعتبر تصويرًا بالمعنى المذكور، وكذلك الأمر بما احتفظت به الأفلام وأُظهر على الورق المقوَّى مما نسميه بـ(الصور).فالتصوير المعاصر لا يتضمَّن إعطاء الشيء شكله أو هيئته أو صفته، كما ليس فيه تخطيط ولا تشكيل يؤدي إلى إعطاء الشيء هيئة يعرف بها، كما ليس فيه مضاهاة وهي مشاكلة الشيء بالشيء، وانطباع الصورة على الفلم أو المرآة ليس من عمل الإنسان أصلا، وإنما هو من خصائص المادة التي خلقها الله؛ إذ تنطبع عليها صورة وهيئة الأشكال المقابلة لها مما يؤدي إلى ظهور مثالها أو خيالها عليها.(مناقشة القائلين بالمنع من التصوير الفوتغرافي):ذهب بعض العلماء إلى القول بحرمة التصوير الفوتوغرافي، واستدلوا بما يلي:أولا: الصورة الفوتوغرافية داخلة في مسمَّى الصورة لغةً وعرفًا، أما في اللغة؛ فلأن الصورة في اللغة هي الشكل، والصورة الفوتوغرافية يقال لها: شكل، فإذًا هي صورة لغة.وأما عرفًا: فلأن هذا هو ما تعارف عليه الناس فيما بينهم من غير نكير، فالكل يطلق على الصورة الفوتوغرافية " صورة " ويُسمَّى آخذها " مصوِّرًا "، بل ويقول أهل العرف: ذهبنا للمصور، فأخذ لنا صورة، ويقول أصحاب الدوائر الحكومية في شروطهم للمقبولين: لابد من صورة شمسية أو ملونة مقاسها كذا في كذا، وهذا أمر مشهور معروف لا ينكره أحد، فتُسمَّى الصورة الفوتوغرافية تصويرًا، وتكون داخلة في عموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير والتشديد فيه، وليس على التفريق بينهما دليل شرعي ألبتة؛ وعلى هذا فإنه يجب المنع منها على وجه العموم، لأنه قد ثبت أن الصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمَّى الصورة لغةً وعرفًا.وجواب ذلك أننا لا نُسَلّم دخول الصورة الفوتوغرافية تحت مسمَّى الصورة في اللغة أو العرف؛ لأن ما يُسمَّى اليوم بالتصوير الفوتوغرافي إنما هو مجرد اصطلاح لا يعني التطابق بالدلالة، فهو ليس المعني بالتصوير المحرَّم الوارد في أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن إطلاق اسم التصوير عليه يدخل تحت نوع من أنواع المشاكلة، لذا فإن حكم الحرمة لا ينسحب عليه، كما لا ينسحب حكم حرمة الحرير الطبيعي على ما يُسمَّى اليوم حريرًا مما قد أبدعته الصناعات الحديثة؛ لمشابهته له في المسمَّى العرفي.فالحكم الشرعي الذي يتعلق بشيء إنما ينصرف إلى ذلك الشيء لا إلى ما اشترك معه في الاسم وخالفه في الحقيقة والماهية.والاشتراك بين الصورة بالمعنى اللغوي والشرعي والعرفي إنما هو في مجرد الاسم فقط، فلا يدخل في الأحاديث الدالة على النهي بتصوير ذوات الأرواح. فإن الأدلة فيها لفظ (صوَّر) و (مصوِّر) بالتشديد، أي: جعل هذا الشيء على صورة معينة، فمادة (صوَّر) تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة لم يحصل فيه من المصوِّر أي عمل في هذه الصورة، فلم يحصل منه تخطيط فيها، ولا رسم، ولا زيادة، ولا نقص حتى يكون مضاهيًا خلق الله، وإنما هو سلط الآلة على المصوَّر فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله عليها، فهو إذًا حبس للعكس ليس إلا، فلا يكون داخلا في عموم أدلة التحريم.ثانيًا: العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله، أي: التشبيه بخلق الله كما جاء النص على ذلك في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "يا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهَِ" ([37])، ولا يخفى على عاقل أن التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد مضاهاة بخلق الله من التصوير باليد؛ فيكون التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد تحريمًا من التصوير باليد لما فيه من مزيد المطابقة بين الصورة والمصوَّر.المضاهاة هي مشاكلة الشيء بالشيء، والتصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة وصنع صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل تضاهي بها حيوانًا خلقه الله تعالى، وليس هذا المعنى موجودا في أخذ الصورة بآلة التصوير الفوتوغرافي ([38]).ثالثًا: ليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على إباحة التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية.وجوابه أن الإباحة لا تحتاج إلى دليل، فالأصل في الأشياء الإباحة؛ لأن الله سبحانه سَخَّر كل شيء في الأرض لمنفعة الإنسان فقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: 29]، وقد عرَّف الإمام البيضاوي المباح في كتابه المنهاج فقال: "المباح: ما لا يتعلَّق بفعله وتركه مدحٌ ولا ذمٌّ" ([39]).

(الخلاصة):والخلاصة أن التصوير الفوتوغرافي إن استُخدم لتحقيق واجب، وكان وسيلةً لتحقيق ذلك الواجب أصبح اتخاذ الصور واجبًا، كالتصوير في المجالات العسكرية لدفع خطر العدو وللتمكن من مواجهته ومقاتلته، والتصوير في مجال تعلم العلوم التي تعتبر فرض كفاية أو لتشخيص الحالات المرضية والإصابات، وكذلك التصوير من أجل الهوية الخاصة أو جواز السفر، وكتصوير المجرمين لضبطهم ومعرفتهم ليقبض عليهم إذا أحدثوا جريمة ولجأوا إلى الفرار. وإن استخدم التصوير لنشر المفاسد وإشاعة الفسق والفجور وتدمير الأخلاق والفضيلة وإفساد المجتمع، فإن اتخاذ الصور يكون محرمًا، وكذلك النظر إليها يكون مُحَرمًا.وإن استخدم التصوير في أمر مباح فإن اتخاذ الصور يكون مباحًا ما لم يكن ذريعة إلى مُحَرَّم، فإن استخدم في أمر مباح ولكنه يؤدي بسبب من الأسباب إلى مفسدة محرمة، فإنه عندئذ يأخذ حكم نتائجه. والله تعالى أعلم.--------------------------------------------------------------------------------([1]) أخرجه أحمد في مسنده (1/368) حديث (3484)، والترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «سورة ص»، حديث (3233) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما.([2]) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والاداب» باب «النهي عن ضرب الوجه»، حديث (6821) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.([3]) أخرجه أحمد في مسنده (3/447) حديث (15741)، والبخاري في الأدب المفرد حديث (179) ص (73)، ومسلم في كتاب «الأيمان» باب «صحبة الماليك وكفارة من لطم عبده»، حديث (4394).([4]) أخرجه البخاري في باب «الوسم والعلم في الصورة» حديث (5221) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.([5]) تاج العروس، مادة (ص و ر) (12/357).([6]) المصباح المنير ص (350).([7]) التمثال أعم من أن يكون مُجَسَّمًا، بل يشمل المنقوش، والمدهون، وما له ظل، وما لا ظل له. وانظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (35)، وهو من المراجع الرئيسة التي اعتمدنا عليها في هذا البحث.([8]) تفسير الرازي (7/179).([9]) روح المعاني (3/78).([10]) التحرير والتنوير (8/36).([11]) فالتصوير مختلف عن الخلق، فالتصوير هو إعطاء المخلوق شكله الذي يتميز به عن غيره.([12]) تفسير القرطبي (18/48).([13]) انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (42).([14]) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «التصاوير»، حديث (5949). ([15]) فتح الباري (10/382).([16]) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور»، حديث (4152).([17]) بذل المجهود (17/34).([18]) أخرجه البخاري في كتاب «التعبير» باب «من كذب في حلمه» حديث (7042).([19]) فتح الباري (10/394).([20]) أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (20).([21]) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور» حديث (4156). ([22]) بذل المجهود (17/39).([23])أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما وطئ من التصاوير» حديث (5954). قال ابن الأثير: " السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة، والقرام: الستر الرقيق". ([24]) فتح الباري (10/387).([25]) أخرجه البخاري في كتاب «الذبائح والصيد» باب «الوسم والعلم في الصورة» حديث (5541).([26]) فتح الباري (9/671).([27])أخرجه البخاري في كتاب «الاستئذان» باب «بدء السلام» حديث (6227).([28]) فتح الباري (11/3)([29]) أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «خلق آدم صلوات الله عليه وذريته» حديث (3326).([30]) فتح الباري (6/367).([31]) أخرجه الترمذي في كتاب «المناقب» باب «من فضل عائشة رضي الله عنها» حديث (3880).([32]) تحفة الأحوذي (10/257).([33]) انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (123).([34]) المرآة سميت بذلك؛ لأن المرء يتراءى فيها، أي: يرى نفسه فيها. انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (178- 180) بتصرف.([35]) وقد جاء في المصباح المنير: " عكست عليه أمرَه: رَدَدْتُه عليه "، أي أن فيه معنى الارتداد. المصباح المنير ص 424.([36])أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (53).([37]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما وطئ من التصاوير» حديث (5954)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتا فيه صورة أو كلب» حديث (2107). ([38]) أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (50).([39]) انظر: شرح البدخشي على المنهاج للبيضاوي (1/48).

وبسبب مثل تلك الفتاوى المضحكة التى انفرد بها الوهابيون ايقنت مدى ضعفهم فى مسائل الفتية والاجتهاد حيث يأخذون باقوال السلف فقط عند التحريم ويمتنعون عنها لو كان فيها رأيا بالجواز او الحل ..مما جعل فقههم اشد صور الفقه تزمتا وأكثرها تضيقا على الناس بل واكثرها اساءة لصور الأسلام فى العالم ..فمن هذا الذى يقبل على الدخول فى دين يحرم المرأة من قيادة السيارة او يمنع مصافحة الرجال للنساء ويحرم الشطرنج والتصوير الفوتغرافى..ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.