الأحد، 25 ديسمبر 2011

أيهما أهم : الإنسان أم الكتاب ؟!

أصبتنى حالة من الدهشة والصدمة بعد حريق المجمع العلمى المصرى.. ليس لأنه احترق.. فهذه مأساة كبيرة بالطبع.. لكن المأساة الحقيقية حين نسمع من يقول أن الكتب القديمة أهم من روح الانسان التى كانت تزهق أمام المجمع.. ليس إنسان واحد بل كثير ( 17 قتيل حصيلة الأحداث) . ونسى هؤلاء - فى ظل صدمتهم - أن من ألف هذه الكتب فى المقام الأول هم بشر .. تماما مثل هؤلاء الذين ماتوا.
ألا يعلم المتباكين على تراث المجمع العلمى أننا لو فقدنا إحساسنا بجريمة قتل انسان فسنفقد قريبا جدا إحساسنا بأهمية أى تراث ثقافى.. أنا أفهم أن يفضل إنسان أن يضحى بحياته لحماية هذا الثراث النادر.. لكن ليس من حق أحد أن يفضل انقاذ مجموعة من الأوراق القديمة على حساب حياة الآخرين.
ثم ما أدرانا أنه ليس من بين هؤلاء الذين ماتوا - صغارا وكبارا - من سيكون فكره وأعماله من تراث البشرية. ألا يعلم هؤلاء أن جميع المشاهير الذين قدموا اسهامات عظيمة للثراث الانسانى كانوا  فى مرحلة من مراحل حياتهم أشخاصا عاديين لا تستطيع أن تميزهم عن غيرهم .. " أديسون" صاحب المخترعات كان بائع جرائد عادى.. " جان بول سارتر" الفيلسوف الفرنسى الكبير كان جنديا بسيطا فى الحرب العالمية الثانية ، عبد الناصر كان مجرد طالبا من طلاب الثانوى الذين فتحت عليهم الحكومة المصرية كوبرى عباس عام 1935. ماذا لو أننا قتلناهم قبل أن يقدموا ما قدموه للبشرية.. 
أيهما أهم : الكتاب الذى يمكن نسخه وتصويره ونشره على الانترنت أو بأى وسيلة أخرى تجعله يبقى الى الأبد ، أم الانسان الذى إذا مات لم يبق منه إلا ذكريات فى قلوب معارفه فإن ماتوا  لم يبق منه شىء.
لماذا نريد أن نحول الثقافة والعلم إلى آثار وأطلال.. هل المهم هو محتوى كتاب " وصف مصر ".. أم الورق الأصفر القديم الذى يحوى هذا المحتوى .. ألا تعلمون أن حضارة العرب لم تسقط  بعد كارثة تدمير مكتبة بغداد وظهر لنا من بعدها رجال عظام كابن حجر العسقلانى و ابن خلدون و ابن رشد ..الخ..ولكنها سقطت بعد أن مات هؤلاء وأمثالهم وانتشر الجهل رغم كل ما تحويه مكتباتنا من تراث قديم.
الانسان أهم من الكتاب يا سادة.. الانسان هو الذى يُعلِم ويتعلم.. هو الذى ينهض بالأمة ، وما الكتاب إلا وسيلة مساعدة.. فكيف نقدم الفرع على الأصل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :  إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء". فهل حزن المتباكين على الدكتور محمود حافظ رئيس المجمع حين مات كما حزنوا على المجمع نفسه .