الأحد، 1 يونيو 2008

كن مسلما ..ولا تكن وهابيا





انتشر فى الفترة الأخيرة فى مصر وعددا من الدول العربية والاسلامية تيار يدعو لممارسة الاسلام على الطريقة السلفية الوهابية. وقد استغل هذا التيار الاموال المتاحة لديه فى استخدام كافة وسائل الاتصال الممكنة (مقرؤة،مسموعة،مرئية....الخ) لنشر فكره. وكل هذا - بالطبع- لا شىء فيه ،لكن الأزمة تتجلى وتتضح حين نكتشف ان انصار هذا التيار يقدمون أنفسهم للناس من العامة على أنهم هم "الفرقة الناجية"من أمة محمد ، وأن مذهبهم هو الدين الأسلامى الصحيح وما عاداه هو الباطل الذى لا شك فيه. وقد بدأالناس تشعر بوجود أنصار هذا التيار فى مصر من وقت انتشار أفكارهم وفتاواهم الغريبة على المجتمع المصرى ،والتى كانت تحرم كل شىء ؛فالتليفزيون حرام ، والتصوير الفتوغرافى حرام ، وكل أنواع الفنون حرام ، كما أن السلام باليد على النساء حرام ، وصوت المرأة عورة ، والصلاة فى أى مسجد به قبر باطلة ،أما التوسل بالاولياء والصالحين فهو شرك بين..الخ.



وقد حاول -ولا يزال يحاول- العديد من الشيوخ والعلماء الأفاضل فى مصر وكافة الدول الاسلامية مناهضة هذا التيار ،وتفنيد أقواله وفتاواه التى أن طبقت بالفعل فستعود بالمسلمين الى فترة ماقبل الاسلام نفسه.ويأتى على رأس من لهم أياد بيضاء فى هذا الاتجاه ؛الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق ، والشيخ محمد الغزالى ، والشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية، وغيرهم كثير .



من هم الوهابية؟

ولنلم بكافة جوانب الأزمة ينبغى أن نعرف أولا من هم الوهابيون،وما هو فكرهم ؟
الوهابية أو كما يسميها أتباعها الموحدون دعوة سلفية إسلامية قامت في شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، والثامن عشر ميلادياً على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792) بهدف ما يعتبروه تنقية عقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل التوسل بالقبور، الأولياء، البدع بكافة أشكالها أو مايطلق عليه بشكل عام اسم بدعة. نبعت حركة الموحدين من أهل السنة والجماعة ويصفها أتباعها بأنها دعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الصافي وهو طريقة السلف الصالح في إتباع القرآن والسنة، أي عمليا عدم الإعتماد الكلي على المذاهب الفقهية السنية الأربعة والإعتماد المباشر على النص "القرآن والسنة" مدللين على ذلك بأقوال للأئمة الأربعة.
أطلق على الموحدون من قبل بعض معارضيها "الوهابية" نسبة إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، والتسمية بحد ذاتها يرفضها السلفيون مفضلين عليه -حسب رأي روجر هاردي خبير شؤون الشرق الأوسط - اسم موحدين [1] أو سلفية لأنهم يتبعون الصحابة، أو اسم "أهل السنة والجماعة"، لأن ابن عبدالوهاب لم يبتدع مذهباً جديداً لكنه كان هو وابن تيمية والأئمة الأربعة على ماكان عليه الصحابة من اتباع كتاب القرآن وسنة رسول الإسلام، لكن مصطلح أهل السنة والجماعة كمصطلح تاريخي له أهميته تتمسك به معظم الفئات السنية بمن فيهم الصوفية وأصحاب المذاهب السنية، وتجده حتى في أدبيات الفرق الكلامية من أشاعرة وماتريدية مما يجعله مصطلحاً خلافياً، لكن مصطلح وهابية يبقى مستخدما بشكل كبير من قبل معارضيهم الذين يرفضون نسبتهم إلى "السلف" وبالتالي يجدون في نسبتهم لابن عبدالوهاب الطريقة الأفضل لتمييزهم. وسائل الإعلام والكثير من المؤلفين تستخدم المصطلح أيضا للتعبير عن المدرسة الإسلامية السلفية التوجه المنتشرة في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي.

الدعوة والانتشار
أول مابدأت هذه الحركة في العيينة وسرعان ماتمت تنظيمها وترتيب صفوفها. حققت الوهابية انتشارا واسعا بعد أن تبناها كمذهب لحركته التي سرعان ماسيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية مما أدى إلى انتشار دعوتهم في كامل الجزيرة العربية.
محمد بن عبد الوهاب الذي خرج على السائد في زمنه من التبرك بالقبور والأشجار والتعلق بالتمائم والحروز، وكان قوام هذه الدعوه على إنكار مثل هذه الأعمال التي تفشت في بين الناس بدعوة أنها أعمال تنافي توحيد الربوبيه والألوهيه لله. تعاون محمد بن عبد الوهاب مع أمير نجدي اسمه محمد بن سعود (مؤسس الدولة السعودية حالياً) على شبه حلف ديني سياسي، وكل طرف يسعى لمصحلة الطرف الآخر، فبايع محمد بن عبدالوهاب الأمير محمد بن سعود على السمع والطاعه، وبايعه الأمير محمد على نشر دعوته إذا استتب الأمر له، وهذا ماحصل فعلاً. كانت مصادمات عسكريه عنيفة بين هذه الجماعه وقبائل المنطقه من حولها، ومن ثم معارك واسعه مع العثمانيين، حتى تم توحيد الجزيرة العربيه تقريباً تحت سيطرتهم.
اعتمدت أفكار ابن عبدالوهاب بشكل عام على إحياء فكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية في نبذ العادات الملتبسة بالشرك المنتشرة في الأوساط الصوفية وتنقية العقيدة الإسلامية المبنية على التوحيد الكامل له، أما في مجال الفقه فقد سلكت كما سلك ابن تيمية مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفقه.(*الأقتباس من مقال بموسوعة الوكيبيديا )

السلفية والوهابية

تعد الحركة الوهابية هى أقوى الحركات السلفية الموجودة فى العالم الاسلامى فى وقتنا الحاضر ،الا انها ليست الحركة السلفية الوحيدة ؛فهناك العديد من الحركات السلفية التى ظهرت بامتداد العالم الاسلامى خلال القرنين الماضيين مثل :الحركة السنوسية فى ليبيا ، والتى كانت متأثرة بالحركة الوهابية وأفكارها . وحركة الأخوان المسلمين فى مصر والتى يظهر اثر التصوف بها .و السلفية العقلية التى اسسها جمال الدين الافغانى والامام محمد عبده والتى واصل تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا الدفاع عنها من بعده .وهى تعطى احتراما للعقل وترحب بالحوار مع الاخر ولعلها اكثر الحركات السلفية قبولا فى رأى العديد من المعتدلين ؛ فقد افتى الامام محمد عبده منذ أكثر من مائة عام عددا من الفتاوى الخاصة بالزى الاسلامى ، و المعاملات البنكية ، والفن التشكيلى لازالت مرفوضة كلية من قبل التيار الوهابى حتى اليوم .
والسلفية فى أساسها هى منهج بحثى وضعه الأمام أحمد بن حنبل .وهو يقوم على فهم الدين على طريقة سلف الامة من الصحابة الكرام ، وعدم التوسع ف التأويل للنصوص الدينية والوقوف على المعنى القريب للغة العرب دون محاولة البحث عن معان باطنية أو تأويلات متعسفة تخرجها عن سياقها . وقد برر العديد من المفكرين الاسلاميين السبب الذى دعا الأمام ابن حنبل الى هذا التوجه هو كثرة الفرق المتأولة فى زمنه والتى اخرجت الكثير من ايات القران الكريم عن سياقها و استحدثت القول باراء فلسفية مدللة عليها بايات قرانية.
وقد حصل التيار السلفى على دفعة قوية من خلال كتابات الشيخ تقى الدين بن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزية.حيث أثارا ضجة فى زمنهما نظرا لارائهما الصادمة.غير أن أزمة السلفية لم تظهر الا بعد ظهور محمد بن عبد الوهاب ونشره لفكره والذى كان يعتمد فيه بشكل اساسى على اراء ابن تيمية وابن القيم والذى حاول ان يطبقه بالقوة مما صنع ازمة فى العالم الاسلامى وقتها ولم تنتهى الا مع تدخل السلطان العثمانى.
غير أن الفكر الوهابى لم يجاوز الجزيرة العربية الى ما ورائها من بلدان العلم الاسلامى الا مع قيام المملكة العربية السعودية عام 1926 م حيث أعلن الملك عبد العزيز ال سعود أن المذهب الوهابى هو المذهب الرسمى للملكة و هو ما يعمل به حتى الأن، ومن وقتها بدأت المملكة تسعى للترويج لهذا الفكر السلفى الوهابى مسخرة لذلك كل امكاناتها البشرية و المادية والتى زادت منذ سبعينات القرن العشرين بعد ارتفاع اسعار النفط.

الوهابية والصوفية
ولعل الصدام الأول بين الوهابية وباقى التيارات الاسلامية الاخرى يبدأ بصدامها مع التصوف والصوفية حيث ان محمد بن عبد الوهاب قد انتقد فى رسالته المعنونة ب "التوحيد"كل مظاهر التوسل بالولياء والصالحين وعدها من الشرك الصريح .وعمل فى بداية دعوته وبمساعدة محمد بن سعود على هدم كل الاضرحة والقبور التى تقصد للزيارة فى الجزيرة العربية.
وعلى الرغم من أن اهل التصوف لديهم من الادلة الشرعية ما يؤيد قولهم بجواز التوسل والتبرك بالاولياء والصالحين الا أن الوهابية أصرت على مهاجمة ونقد كل الطرق الصوفية وكل مشاهير الاولياء والصالحين ممن تقصد قبورهم للزيارة .و أعتبروا أن كل تلك الطرق طرقا ضلالية بعيدة عن التوحيد مثلهم كمثل مشركى قريش الذين قالوا عن أصنامهم "انما نعبدهم ليقربونا الى الله زلفى".و على الرغم من التعسف الواضح فى تطبيق كلام الله تعالى على أهل التصوف من حيث أن الصوفية لا تعبد الاولياء وانما تدعوا الله عندهم والفرق واضح ،الا ان الأجيال المتعاقبة من مشايخ الوهابية لم تحاول البحث واعادة النظر فى هذا التصور الخاص بشيخ الوهابية مما خلف لنا تراثا ضخما من النقد والسب والشتم والتكفير بين الوهابية والصوفية كنا فى غنى عنه.

الوهابية والاخر

ولعل أزمة الوهابية الكبرى هى عدم اعترافهم بالاخر .ولا نقصد بالاخر هنا غير المسلمين ،وانما نقصد به الفرق الاسلامية الاخرى ،أو بلفظ اخر "غير الوهابيين".فقبل الوهابية كان العلم الشرعى يسير على نظام معروف يبدوا فيه الدين الاسلامى "هو ما يريده الله فعلا"، بينما الفقه :هو اجتهاد علماء الأمة فى فهم النصوص لمعرفة ما يريده الله فعلا.ومن اجتهد منهم فى فهمه واصاب فله اجران ومن اجتهد فاخطأ فله اجر . ولا ينكر المختلف فيه وانما ينكر المتفق عليه ،أى لا يسأل س من الناس لماذا تأخذ بهذا الاجتهاد طالما ان الموضوع الشرعى مختلف فيه بين العلماء .فلان علماء الأمة كانوا يعرفون الفرق بين "ما يريده الله فعلا" و "ما فهمه الفقهاء " فقد كانوا يؤكدون على أن ارائهم غير مقدسة ،وأن الدين يحتمل كل الاجتهادات .يقول الامام ابو حنيفة لرجل يسأله عن رأيه قائلا :"هل هذا هو الحق الذى لا شك فيه "فكان رده :"ربما هو الباطل الذى لا شك فيه " .ويقول الامام مالك معبرا عن اجتهاده :"ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين".لهذا لم يدع أى من علماء الامة احتكار التحدث باسم الدين وانما هى اجتهادات ربما تصيب وربما تخطئ ويحق لكل مسلم أن يختار ما يقتنع به من المذاهب والاراء الفقهية ويتبعه مستفتيا فى ذلك قلبه ،غير منكر على من اتبع مذهبا مخالفا .
أما الوهابية فقد تركت كل هذا وقسمت العلم الاسلامى الى "موحدين"وهم الفرقة الناجية -من يتبعون الفكر الوهابى - و"ضالين اثمين" وهم من يرفضون هذا الفكر .ولعل هذا التوجه لديهم هو ما حدا بالعديد من الباحثين الى اتهامهم بالتشدد والانغلاق والضعف العلمى ؛فمنذ أن بدأ الشيخ ابن عبد الوهاب دعوته لاحقته تهم التشدد والتكفير والتبديع والتشريك وأنهلا يقبل الا رأيه،وقد كان على رأس المناهضين لدعوته السلفية أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب والذى الف كتابا سماه"الصواعق الاهية فى الرد على الوهابية " ليرد فيه على ما نادى به اخوه محمد .وقد سأل اخاه يوما :"كم اركان الاسلام يا محمد؟فقال له :خمسة،فقال له الشيخ سليمان :أنت جعلتها ستة من لم يتبعك فهو كافر".
واستمرت تلك التهمة تلاحق الوهابية ..فبعد وافة الشيخ محمد وقيام ال سعود بامر الدعوة لفكره حاول الوهابيون دخول مكة عدة مرات الا ان اميرها كان يرفض ذلك حتى اشار عليه البعض بعمل مناظرة بين علماء الوهابية من جانب وعلماء الحنابلة من جانب اخر ،فان فاز الوهابية سمح لهم بالدخول .وتمت المناظرة وخسرها الوهابية وقال علماء الحنابلة وقتها لأمير مكة ان بضاعة الوهابية فى العلم قليلة ، ولم يسمح لهم بدخول مكة حتى دخلوها بالقوة بعد ذلك .
وقد أثار الشيخ محمد الغزالى فى عدد من كتبه نفس التهمة ولكن بشكل اخر .فقد كان الشيخ من انصار التخصص فى دراسة العلوم الشرعية ،
وكان لا يرى فى الحركة الوهابية الا انها وارثة لأصحاب الحديث ولا يجب أن تتعدى ذلك الى العمل بالفقه لان هذه وظيفة الفقهاء ممن لهم ملكة البحث فى المصادر الشرعية واستخراج الادلة ثم البحث فى الادلة لاستنباط الاحكام والتى منها تصدر الفتوى بعد ذلك . فاذا كان الأئمة البخارى ومسلم والترمذى وغيرهم من كبار المحدثين التزموا بالعمل على علوم الحديث فقط ،فما الذى يجعل الوهابية تدخل مجال الفقه والفروع وتبدأ فى اخراج فتاوى تحرم كل شىء مثل تحريم التصوير الفوتغرافى ،والمعاملات البنكية وكل انواع الفنون وحتى تحريم حلق اللحى وتحريم مصافحة النساء وتحريم اسبال الثوب ...الخ من الفتاوى الغريبة والتى انفردوا بها دون غيرهم .
ولعل عددا من التصرفات التى تصدر من الوهابية تؤكد هذه التهمة .فقبل ان يصبح التيار الوهابى هو التيار السائد فى الجزيرة العربية كانت تدرس المذاهب الاربعة فى الحرمين الشريفين دون اى مضايقات ،اما الان فلم يعد مسموحا لغير شيوخ التيار الوهابى أن يدرسوا هناك .وكأن الدين الاسلامى لا يحتوى الا على مذهب واحد ..ورأى واحد.

الوهابية والدعوة الاسلامية

أن خطر الفكر الوهابى لا يقتصر على داخل العالم الاسلامى فقط بل يمتد الى خارجه.ففى وقت يحاول فيه اعداء الاسلام تشويه صورته امام العالم ورسمه فى اعين الاخرين على انه دين بدوى..قبلى ،ينادى بمبادىء رجعية ترفض الحضارة والثقافة والفنون ،وانه يقمع المرأة ويحتقرها و يعتبرها عورة يجب سترها أو دفنها أن امكن ،وأنه دين يكره الاخر غير المسلم ويسعى للقضاء عليه ؛نجد الوهابية تقدم مادة دسمة لهؤلاء لتأكيد دعاويهم الباطلة.ففى الوقت الذى وصلت فيه المرأة للفضاء هناك.. ما زالت مسألة أن تقود المرأة السيارة بمفردها تأرق علماء الوهابية فى المملكة العربية السعودية.وفى الوقت الذى حصلت فيه المرأة على كامل حقوقها المدنية والسياسية فى الغرب لا يزال يصر علماء الوهابية على ان بدنها كله عورة وأن النقاب فرض ،وجماعت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يقومون حتى اليوم بمطاردة أى امرأةغير منتقبة بالخيزرانة على قارعة الطريق بالاراضى الحجازية .وفى الوقت الذى ننادى فيه بسماحة الاسلام وأنه دين اخلاق ومعاملة ، يصر علماء الوهابية على تحويل الاسلام الى دين جل اهتمامه ماذا يلبس المسلم والمسلمة مما جعل اللحية والنقاب والجلباب هى المواضيع الرئيسية فى الفقه الوهابى (راجع كتاب "البيان لما يشغل الاذهان"للدكتور على جمعة ،حيث جمع فيه الشيخ المسائل التى يثيرها الوهابية على انها لب الدين وهى من قشوره ويرد على فتاواهم بالقران والسنة واراء علماء المذاهب المشهورة).
الخلاصة أنا اقولها صراحة أنا مسلم ولكننى لست وهابيا ..فليس من المعقول أن اعيش فى القرن الواحد والعشرين وأتبع فقها بدويا لايصلح الا لساكنى الخيام وراعاة الأبل والاغنام.