الأحد، 13 نوفمبر 2011

العلمانية وجهلنا الأزلى

إن الجدل الذى فجره الكلام عن العلمانية والدولة المدنية قد أظهر كم الجهل وعدم الفهم الذى يستشرى بيننا.. بل أظهر طبيعة عقليتنا اللامنطقية والتى هى نتاج طبيعى لمستوى التعليم المتردى فى بلادنا.. فلا أحد يفكر بعقله ولا أحد يعرف كيف يميز الكلام المتزن و المتناسق مع العقل من الكلام الرنان والأجوف فى الوقت نفسه.
فلو أننا القينا نظرة على موضوع العلمانية والدولة المدنية لوجدنا أن الغالبية من المعارضين لها باستماتة هم الإسلاميون.. بينما الغالبية من المناصرين لها باستماتة أيضا هم المسيحيون. وهو الأمر الذى يثبت لنا أنه لا هؤلاء ولاهؤلاء يفهمون العلمانية ومعنى الدولة المدنية ولا حتى يفهمون طبيعة الدين الذى يعتنقونه. فالموقف المنطقى والطبيعى هو أن يعارض المسيحيون الدولة المدنية باستماتة بينما تكون معارضة الاسلاميين لها مجرد ملاحظات شكلية ، ذلك أن الاسلام بطبعه دين علمانى النزعة، فهو يجعل مقاليد الأمور فى تطبيق الأحكام والقوانين والقرارات فى يد " ولى الأمر" الذى هو اليوم " الدولة " بكافة مؤسساتها ؛ فهو الذى يزوج ويطلق ، يحارب ويهادن ، ويورث ويقضى فى المنازعات ، ويحمى البلاد من العدوان الخارجى ويطبق أحكام الشرع ويحافظ على حقوق المواطنين كافة .. الخ. ولا ينازعه فى هذه السلطة أى مؤسسة أو جهة أخرى دينية كانت أو مدنية.
هذا فى الاسلام.. بينما الوضع مختلف فى المسيحية .. فهناك المؤسسة الدينية  ( الكنيسة ) التى تنازع الدولة السلطة . لهذا جاءات العلمانية بدولتها المدنية فى الغرب كى تحجم الكنيسة وتجعل  السلطة كلها فى يد الدولة المدنية وأن يصبح رجال الإكليروس ( الكنسيين) مثلهم مثل غيرهم أمام القانون. لهذا فبابا روما مثلا لا سلطة له اليوم على أحد بعد أن كان هو الآمر الناهى فى أوروبا طوال حقبة القرون الوسطى.
السؤال الآن : هل يريد المسيحيون ذلك ؟
هل يدركون أن الدولة المدنية ستلغى سلطات البابا.. وأنه لن يكون هناك زواجا كنسيا وآخر مدنيا ، وأن الكنيسة سيقتصر عملها على الإجراءات الروحية فقط . وسيصبح ما تعترف به الدولة هو الصحيح  بغض النظر عن موقف الكنيسة منه. وهو ما سيجعل أى نزاع بين الدولة والكنيسة محسوما لصالح الدولة من قبل أن يبدأ .
فهل المسيحى المؤمن بالكنيسة على استعداد أن يطيع الدولة لو اختلفت مع الكنيسة؟

أما بالنسبة للإسلاميين.. فهل يعلمون أن مهمة العلمانية تتلخص فى منح السلطة المطلقة للدولة كى تسير شؤون الناس.. وأن هذه السلطة مستمدة من الشعب.. الذى ينعكس سلوكه ومعتقداته على الدولة نفسها.. أى أن الشعب المؤمن سينتج قوانين تتماشى وعقيدته ( أو بمعنى أدق عقيدة الأغلبية )  وبالتالى سنصبح أمام دولة تحترم أحكام الشرع.. وأذا كان الشعب كافر فسينتج بالمثل قوانين لا تكترث بالدين وسنصبح أمام دولة لا تضع الشريعة ضمن إهتماماتها .. أى  كما قال الفيلسوف الانجليزى " هنرى جونز" : ( المواطن هو الدولة ولكن فى صورة أصغر ، والدولة هى المواطن ولكن فى صورة أكبر .. ولا يوجد دولة جيدة إلا فى وجود مواطنين جيدين ولا مواطنين جيدين الا مع وجود دولة جيدة) . وفى كلا الحالتين - حالة الدولة المؤمنة أو حالة الدولة غير المؤمنة - تعتبر الدولة علمانية ، أى أنها دولة تعبر عن شعبها إن كان خيرا فخيرا وإن كان شرا فشرا.. ولا تنتظروا من العلمانية أن تساعدكم أن تصبحوا مؤمنين لو أنكم لا تريدون ذلك ، كما لا تعتقدوا أنها ستمنعكم أن تكونوا مؤمنين لو أردتم ذلك.. هى تترك الأمر للناس كما فعل ربنا من قبل إذ قال فى كتابه الكريم بنص عام غير مشروط بزمان أو مكان :
 ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ).
 هذا هو الواقع .. العلمانية والدولة المدنية أقرب للاسلام وأحكامه منها الى المسيحية.. فهل . يفهم أحد ذلك.. أم أننا نردد كالبغبغاوات ما يقوله لنا الإعلام دون دراسة ولا قراءاة ولا فهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق